يعيش أطفال عائلة "أبو فؤاد" الفلسطينية فرحة كبيرة بمنزلهم الجديد، الذي بُني لهم بعد مسيرة طويلة من التشرد عايشوها، بفعل شبح الهدم الإسرائيلي الذي يلاحق قريتهم، كما باقي قرى النقب مسلوبة الاعتراف داخل الأراضي المحتلة عام 48.

وخلال 4 أيام أتمت مؤسسات فلسطينية وعربية بناء منزل هذه العائلة المستورة في قرية عوجان، ضمن مشاريع إعمار أطلقتها مؤخرًا، لإعادة بناء وترميم المنازل التي هدمتها سلطات الاحتلال في قرى النقب.

"قلب حياتنا وغيرها من هم وغم إلى فرح، بعد أن كنا نغرق في كل شتاء في الخيمة التي كنا نبنيها"، يقول رب الأسرة.

ويتابع-طالبًا عدم الكشف عن اسمه خوفًا من ملاحقة سلطات الهدم له مجددًا-"في كل مرة كنا نبني منزلنا، وهو طبعًا عبارة عن خيمة، ويأتوا لهدمها، والأن أنا وأطفالي أمنين في هذا المنزل".

وبنت المنزل مؤسسة النقب للأرض والإنسان بالتعاون مع مؤسسة "يدًا بيد" التركية، ضمن مشاريع إعمار، أطلقتها لدعم وتثبيت صمود أهالي القرى مسلوبة الاعتراف.

وتلتقي هذه المشاريع في التنفيذ والزمان والمكان مع مشاريع الهدم التي تنفذها سلطات الاحتلال، لمحاولة اقتلاع أهالي النقب، ضمن تنفيذ عملي لمخطط "برافر"، رغم إعلان تجميده قبل نحو عامين.

لا تقتصر على البناء

ويقول رئيس جمعية النقب للأرض والإنسان أحمد السيد إنه وخلال الأسابيع الماضية تم إعادة بناء 10 منازل هدمتها سلطات الاحتلال في قرى النقب، ضمن مشروع متواصل سنويًا.

ويضيف لوكالة "صفا" أن المشاريع التي ترعاها المؤسسة لا تقف عند إعادة بناء منازل هُدمت، وإنما تضم أيضًا ترميم منازل غير صالحة للسكن أو يعاني أصحابها من مشاكل فيها، وبناء منازل لأسر مستورة فقيرة تعيش في منازل غير صالحة للسكن.

وتفتقر منازل الفلسطينيين في النقب لأدنى مقومات الحياة، وتتعمد السلطات المحلية الإسرائيلية عدم إيصال شبكات المياه أو الكهرباء إليهم.

وفي مقابل ذلك، تضم المشاريع الإعمارية تعبيد وإيصال طرق في قرى النقب، وإيصال شبكة مياه للمنازل، وإمدادها بالطاقة الشمسية، خاصة للعائلات التي يتواجد بها حالات مرضية وتفتقر إلى وسائل التدفئة أو التبريد.

وبحسب مدير المؤسسة، فإن المؤسسة أطلقت حملة "الطوارئ والإغاثة" منذ بداية العام الجاري، وتم خلالها ترميم أكثر من 30 منزلاً، إضافة للمنازل الـ10 التي أعادوا بناءها.

وعن طبيعة المواد التي يتم بناء المنازل بها، يقول "هي من الطوب والزينجو والقسطير المبطن، والتي نحاول من خلالها أن نقي هذه الأسر من برد الشتاء وحر الصيف".

"معسكر التواصل"

وتُقبل المؤسسة على مشروع كبير بعنوان "معسكر التواصل"، العاشر من نوعه الذي تنفذه، وهو عبارة عن ترميم عشرات المنازل، وإمدادها بالطاقات الشمسية، وترميم مدارس ومساجد ورياض أطفال في عدة قرى بالنقب.

ويضيف السيد "المشروع سيتزامن مع ذكرى يوم الأرض الذي يوافق الـ30 من أذار المقبل، وسنشرع به قبلها بيومين، وهو مشروع سيقوم بتنفيذه عشرات المتطوعين من مدن وبلدات الداخل الأخرى من المثلث والجليل والمدن الساحلية".

ويساهم في هذا المشروع-إضافة إلى مؤسسة يدًا بيد التركية- جهات ومتبرعين من الداخل الفلسطيني، وسيتوافد عشرات العمال يوم السبت-يوم إجازة العمل- الذي يسبق يوم الأرض، ليساهموا في البناء ضمن المعسكر.

ويشدد السيد على أن المعسكر سيشمل أيضًا زراعة أشتال الزيتون وأراضي بمزروعات أخرى، ليقابل هذا ممارسات سلطات الاحتلال في حرق مزروعات أهالي النقب، التي يحاول من خلالها تهجيرهم من أراضيهم.

كما سيتم إيصال مساعدات عينية للأسر الفقيرة والمحتاجة في قرى النقب-ضمن المعسكر- وذلك بمساهمة أهل الداخل المحتل.

معيقات

وعن المعيقات التي يواجهها القائمون على هذه المشاريع، يؤكد السيد أنه ومن خلال تجاربهم على مدار السنوات الماضية، فإن أبرزها هو تعمد سلطات الاحتلال إعادة هدم هذه المنازل، وهو معيق تخطى القائمون على المشروع خطوة كبيرة في التغلب عليه.

ويبرهن "أصبحنا ومن خلال التجربة نختار بناء المنازل في مناطق بعيدة عن شبح الهدم نوعًا ما، أو في مناطق ليست أمام أعين سلطات الهدم ولو إلى حدٍ ما".

وفي المقابل تبقى خيام صمود الأهالي في أماكنهم الأخرى التي يتم فيها الهدم بشكل متواصل.

كما يواجه القائمون على المشاريع، معيقات مادية، يوضحها مدير المؤسسة في القول : "إن المساهمة التركية وتبرع أهل الخير طيبة في هذا المشروع، ولكن تكلفة تنفيذها عالية جدًا، ولم تصل إلى قدر التحدي الذي نواجهه في النقب".

الهدم مجددًا

ويعود شبح الهدم ليقابل مشاريع الإعمار كلما تمت، حيث تنوي سلطات الاحتلال هدم عشرات ألاف المنازل الفلسطينية في هذه القرى، ضمن خططها السنوية التي تصب في محاولات طرد أهالي هذه القرى.

ويقول رئيس المجلس الإقليمي للقرى مسلوبة الاعتراف بالنقب عطية الأعسم إن لدى سلطات الاحتلال ممثلة بوزارة الداخلية وما تسمى سلطة "توطين البدو" مخطط لهدم عشرات ألاف المنازل خلال عام 2015.

ووفق إحصائية أفاد بها الأعسم وكالة "صفا"، فإن 1200 منزل وبناية تم هدمها في النقب خلال عام 2014.

ويضيف "منذ اليوم الأول من عام 2015 بدأوا بالهدم، وطال مئات المنازل حتى منتصف فبراير، أخرها كان هدم منازل قرية سعوة وتشريد سكانها من نساء وأطفال وشيوخ في العراء، خاصة عائلتي الخواطرة والقصاصي".

"وكل القرى غير المعترف بها مرشحة للهدم، أي أن 50 ألف منزل ومبنى تستطيع سلطات الاحتلال هدمها وقتما شاءت، حتى أن هناك منازل في قرى معترف بها هي أيضًا على قائمة الهدم".

وتوزع سلطات الهدم الإسرائيلية كل يوم ما بين 20 إلى 30 أمر هدم، وتبدأ بعد أقل من أسبوع من توزيعها بتنفيذ الهدم، ويؤكد الأعسم أنه يتم هدم 30 منزلاً شهريًا، وهكذا يتم القياس على مدار أشهر العام.

تثبيت وصمود

ويصرح الأعسم بالقول "إن اسرائيل تتعامل بمنطلق القوة والغطرسة في هدم المنازل بالنقب، ومن أجل ذلك فإن المجلس الإقليمي والمجالس الفلسطينية المسئولة، لا تمتلك سوى عوامل النضال ودعم الصمود لأهالي هذه القرى، في مواجهة ذلك".

أما وقف الهدم، فإنه أمرًا لن يكون، ولكن في المقابل لن يكون هناك تنازلاً أو خروجًا من الأرض التي هي ملك لأهلها الفلسطينيين، بحسبه.

ويلتقي معه رئيس مؤسسة النقب للأرض والإنسان، والذي يؤكد أن مخططات الهدم لا يمكنها وقف مشاريع الإعمار هذه، ويقول "طالما استمروا بالهدم فنحن مستمرون بالبناء، وبدعم وتثبيت الوجود الفلسطيني في النقب".

المصدر: الرسالة نت