خبايا هجرة ثالوث الموت من غزة

منذ 10 سنوات   شارك:

 الثانية عشرة منتصف الليل.. موعدي مع الحلم الكبير يقترب.. فإما إشراقة شمس غدٍ واعد في بلد أوروبي، وإما سقوط في وحل "الاحتيال" وعتمة السجون المصرية، وبين الأمرين يقف مصير عمري الباقي.. فهل أجازف نحو مجهول يرقد الموت بين جنباته متربصاً بمن يمر، أم أبقى هنا وأنتظر ..!.

حاصرت الحيرة تفكير (عمر) .. وهو اسم مستعار لضيف قصتنا، الذي تحتفظ "فلسطين" باسمه الحقيقي، ويبلغ من العمر خمسا وعشرين سنة، تخرج من جامعات غزة قبل ثلاث سنوات، ولا يزال يبحث عن وظيفة، حتى استعرت الحرب على غزة وبلغ مداها ما بلغ، وبدت الحياة بين الركام أمامه مستحيلة، ووعود الإعمار والتوظيف بعيدة، ونداء الحياة لبناء أسرة ومنزل خاص بها يقرع وجدانه في كل ليلة.

متى أستيقظ في السادسة صباحاً وأهم الخطى مسرعاً نحو مكتبي قبل أن تفوتني ساعة توقيع الحضور؟، وماذا سأرتدي في يومي الأول؟ .. نقر بسبابته رأسه وقال :" كفى.. كفى أحلاماً وردية وكأنني طالب مدرسة يشتاق إلى اليوم الأول "، اقتحم خلوته صديقه "زياد" وأخبره أنه تمكن من الوصول إلى من يساعده على الهجرة من قطاع غزة.. "مهرب".

خمسة آلاف دولار

وقعُ الكلمة كان له من الأثر كوقع صاروخ إسرائيلي على منطقة مجاورة، " هل تعني حقاً ما تقول؟"، سأل "عمر" صديقه "زياد"، فأجاب:" نعم.. وقد ساعد بعض الأصدقاء وهم الآن في دول مختلفة .."، فعاود "عمر" سؤال صديقه:" وكم التكلفة؟!"، فرد زياد:" يقولون إنها لن تتجاوز الخمسة أو ستة آلاف دولار".

"خمسة آلاف دولار وبعض المجازفة ستنقلني إلى عالم الجمال.." قالها "عمر" في نفسه وهو يفكر :" إن تمكنت من جمع المبلغ من يضمن لي غدر المهرب؟!"، فسارع بالحديث إلى "زياد" وطلب منه الجلوس إلى المُهرب وأنه يريد ضمانة من النصب والاحتيال..!

تم اللقاء رغم الحالة الأمنية الحرجة في قطاع غزة بسبب الحرب الإسرائيلية عليه، واتفق "عمر" مع المهرب -بضمانة "زياد" وتوقيع كمبيالات بين الطرفين- على تهريبه من قطاع غزة إلى إيطاليا، شريطة أن يدفع له مبلغ 3400 دولار لن يتسلمها المُهرب إلا عندما يتحدث "عمر" إلى "زياد" من رقم إيطالي يؤكد فيه وصوله بسلام إلى محطته الأوروبية الأولى بعد أن يتجاوز مثلث الموت بين غزة والاسكندرية وانتهاء بإيطاليا.

عمل "عمر" على تأمين ما تبقى من المبلغ المطلوب، ووضع الضمانة مع "زياد"، الذي كان وحده من بين الأصدقاء يعلم بهجرة "عمر".. واتفق الأخير مع المُهرب على مغادرة قطاع غزة في ليلة أول تهدئة تم الاعلان عنها بين المقاومة الفلسطينية في غزة وجيش الاحتلال الإسرائيلي.

وفي عتمة الليل وخلو الطرقات من المارة بسبب الحرب، حمل عمر حقيبته الصغيرة التي وضع فيها بعض الملابس فقط، ومر بعينيه على جدران منزله الحزينة، واعداً إياها بالتجديد إن حالفه الحظ والتوفيق في رحلته المجهولة، وهو ما تمناه له والداه وأشقاؤه لحظة وداعه، ثم غادر المنزل.

عائلتان و5 أطفال

انطلق "عمر" في طريقه إلى حيث طلب المُهرب منه، وهناك وجد أمامه مجموعة مكونة من 6 شبان وعائلتين فيهما 5 أطفال، هم زملاؤه في رحلة اللاعودة.. وخط سير الرحلة التي أطلع المهرب عليها "عمر" والمجموعة كانت تقتضي التسلل ليلاً إلى مدينة رفح الحدودية وتحديداً منطقة الأنفاق حتى يعبروا إلى الأراضي المصرية من خلال أحد الأنفاق التي رتب معها المُهرب أمر المجموعة وهناك يتسلمهم شخص يعمل مع المُهرب من بدو سيناء، تكمن مهمته في تأمين المسير للمجموعة حتى تصل مدينة الإسكندرية المصرية.

وصلت المجموعة برفقة اثنين من المهربين إلى حي البراهمة الحدودي خلف الحي السعودي في مدينة رفح الفلسطينية، وهنا كانت أول "صفعة" للمجموعة، والتي لم تجد نفسها إلا على الشريط الحدودي الفاصل "الباطون"، وطائرات الاحتلال خرقت التهدئة بقصف منطقة الأنفاق المجاورة.. وهنا حُوصرت المجموعة، ووضعت بين نارين، فإما المضي من فوق السور الحدودي الفاصل وإما العودة، ومع تجدد القصف انهار خيار العودة..!

على الجانب الآخر من السور، دورية للجيش المصري تقترب من المكان حيث يقف المهرب المصري، والذي هو على تواصل مع المهربين المرافقين للمجموعة، فطلب المهرب المصري من المجموعة الانتظار قليلاً، حتى تبتعد الدورية، وبالفعل اتصل المهرب المصري بالمهرب الفلسطيني مخبرا إياه أنه تم عمل اللازم وتأمين الطريق.

تسلق المهرب الأول برفقة أحد الشبان المهاجرين أعلى السور الفاصل، والمهرب الثاني بقي في الأسفل، يرفع أفراد المجموعة فرداً فرداً لأعلى السور، حيث يقوم المهرب الأول أعلى السور لسحبهم، ومساعدتهم على الهبوط إلى الطرف الثاني حيث الأراضي المصرية.

تسللت المجموعة برفقة المهرب المصري إلى أرض زراعية فيها أشجار لم تبدُ معالمها من شدة الظلام، وفيها جلست المجموعة تنتظر إطلالة فجر يحمل آلاف علامات الاستفهام.. فبداية الرحلة لم تكن مشرقة، ومصادرة الحُلم واردة في أي لحظة.. مرت الساعات وما كادت أن تفعل، والمجموعة تنتظر تبديل دوريات الجيش المصري حيث كانت حالة حظر تجوال مفروضة في المناطق الحدودية المصرية مع قطاع غزة.

شبكة مهربين

بعد تغيير دوريات الجيش، سمح للمُهرب مساعدة المجموعة على التسلل من مدينة رفح المصرية حتى مدينة العريش الساحلية والتي وصلتها المجموعة في تمام السابعة صباحاً، ثم استقلت مركبة أخرى "باص" لمدينة الإسكندرية.. وهناك تواصلت المجموعة مع المهرب الغزي – حسب الاتفاق- فأمن لهم التواصل مع شخص اصطحبهم إلى شقة سكنية، إلى أن يأتي موعد الصعود إلى مركبة الموت أو الأحلام.. وحتى اللحظة لم يتضح للمجموعة أي الصورتين تنتظرها.

خمسة عشر يوماً قضتها المجموعة في شقة سكنية في مبنى سكني يبدو أنه كان فيه مهاجرون آخرون عدا هذه المجموعة، والظروف الأمنية فرضت على المجموعة ألا تغادر الشقة إلا شاب واحد يتسلل إلى المحال التجارية لشراء المستلزمات بحذر شديد، فمن يقع بيد الأمن ستسحب معه المجموعة كلها وهو ما لا يريده أي فرد منها.

100 جنيه يومياً هو حجم المبلغ الذي كان يعطيه المُهرب لكل شقة حتى تستوفي احتياجاتها، وبعد مرور الأسبوعين حان موعد وصول السفينة الثانية والتي من المفترض أن تقل المجموعة إلى جزيرة قبرص.. الثانية عشرة ليلاً مرة أخرى.. تعود لتفصل بين الحلم والموت والحقيقة، فكانت موعد انطلاق السفينة إلى إيطاليا.

غادرت المجموعة "سجن" الشقة، وأرواحها تواقة لهواء البحر الذي يذكرها ببحر غزة.. استقلت ميكروباص حمولته 14 راكباً، لكن من ركبه تجاوز عددهم الـ40، وسار لمدة ربع ساعة ثم توقف قرب الشاطئ معلناً بداية رحلة الضياع..

بين السجن أو الرشوة

هبطت المجموعة إلى البحر برفقة مهربين آخرين، طلبوا من أفرادها التخلي عن حقائبهم مؤكدين أن وسيلة نقلهم فيها من الطعام والشراب واللباس ما يسد احتياجهم، فألقت المجموعة ما بحوزتها وسارت في مياه البحر مشياً على الأقدام حتى بلغت مركب صغيرة (لانش) امتطته وسارت في البحر مدة ساعة، حتى بلغت مركبا أكبر بقليل، انتقلت المجموعة إليها وسارت بشكل أفقي تدور في البحر.. حتى بزغ الفجر بعد مرور 6 ساعات من الدوران في المياه المصرية، وعندها علمت المجموعة أن السفينة الكبيرة التي يفترض أن تنقلهم إلى إيطاليا تأخرت، وأن المركب الذي هم فيه الآن لا يستطيع الخروج بهم إلى الساحل خشية إلقاء القبض عليهم..!.

وفي مياه البحر على بعد مئات الأمتار عن شاطئ الاسكندرية، أخذ المهرب يساوم "عمر" وباقي أفراد المجموعة، طالباً المزيد من النقود لإكمال الطريق، ومزيدا منها للعودة..!!، وبعد جدال ومناوشات عاد المهرب بالمجموعة وكل من على المركب وعددهم 47 شخصا إلى جزيرة على شاطئ الإسكندرية في أولها نقطة للجيش المصري (خفر السواحل)، أو بمعنى آخر كما يقول "عمر":" "سلمنا إلا قليل..".

حزمة انترنت على جوال أحد أفراد المجموعة أنقذتها من خطر محدق كاد أن يسقطها بيد الجيش المصري، إذ تواصلت المجموعة مع المهرب الغزي وأخبرته بما جرى فأرسل لهم مركبا سياحيا وصفه "عمر":" ليس سياحياً تماماً بل على التساهيل"، عاد بهم إلى البحر وأخذ يدور في المياه مما لفت نظر خفر السواحل التي لاحقت المركب حتى تجاوز المياه الإقليمية المصرية، وهناك توقف بحجة التزود بالوقود والماء والطعام، قبل متابعة المسير إلى إيطاليا".

مساومة على الحياة!

والحقيقة المرة.. كانت أن المركب السياحي هذا ينتظر سفينة نقل المهاجرين الضخمة والتي تنتظر بدورها اكتمال العدد حتى تأتي تقلهم إلى إيطالياً، يومان دون طعام أو شراب حتى بلغ الضجر بـ"عمر" ورفاقه مداه، وشعروا أن المهربين يكذبون عليهم مرة أخرى، فبدأ النقاش معهم والذي سرعان ما تطور إلى ملاسنات وشغب، انتهت بمساومة المهاجرين على أرواحهم، فإما أن يهدؤوا وإما أن يلقوا بهم إلى البحر، وهو ما حذرهم منه بعض السابقين لهم بالهجرة من إمكانية حصول هذا المشهد في حال تعرضت السفينة لأي طارئ- شعر "عمر" ومن معه أن التهديد حقيقي وأن المهربين قد ينفذونه بالفعل، فما كان منهم إلا مزيد من الصبر والانتظار، علّ رحلة ثالوث الموت هذه تنتهي دون موت..!!.

وصلت سفينة التموين، والتي زودت المركب السياحي ببعض الطعام والشراب انتهى بعد ثلاثة أيام، تلتها معاناة المجموعة من الجوع والعطش حتى أنهم شربوا مياه البحر وتعرض بعضهم للإغماء بسبب ذلك، عنها يقول عمر:" إذا سقط أحدنا مغشياً عليه كنا نحاول إفاقته بماء البحر، لأن العائلات أخفت ما بقي من مياه للشرب لأطفالها".

وبعد ثلاثة أيام، وصلت باخرة لنقل المهاجرين إلى إيطاليا، وهي مخصصة لتهريب الفلسطينيين والسوريين، فقط، وبسبب إلقاء القبض على "باصين" من المهاجرين وهم في طريقهم من الشقق إلى الميناء في مصر، أكمل المُهربون العدد بضم مجموعة من الأفارقة، وذلك بعد مرور 8 أيام من انتظار المركب السياحي في المياه الإقليمية.

جلس "عمر" في الطابق الثاني من الباخرة، التي شقت طريقها نحو إيطاليا، وملامح نهاية الرحلة بدأت ترتسم، والمهاجرون متفائلون "نكاد نصل بخير"، لكن أمانيهم فاقت واقعهم، فالبحر أعلن عن غضبه من المهربين الذي تلاعبوا بمصير المهاجرين، وأخذ يرفع من أمواجه، مؤكداً أن قدر الله هو الغالب، وأنه لا نهاية لعُمْرٍ لم تزل فيه بقية، يقول "عُمَر":" كانت الموجة لشدة ارتفاعها تجلس أمامي ثم تهبط إلى صدر البحر لترتقي من جديد، والسفينة تتخبط يمنة ويسرة".

طائرة وحاجز موج

"يا رب سلم".. قالها عمر في نفسه، والخوف يلف السفينة التي بدت تعبة من الرحلة.. استقرت السفينة على بعد 500 ميل بحري عن شواطئ إيطاليا، وأطلق المهربون نداء استغاثة للصليب الأحمر.. مرت الساعة تلو الساعة والصليب لم يأت لنجدة المهاجرين، وموج البحر يعلو ويعلو وكأن صراعاً يجري بين الزمن وأمواج البحر من جهة، وأماني المهاجرين وتلبية الصليب الأحمر لهم من جهة أخرى.

10 ساعات مضت وحرب الأعصاب لا تزال مستمرة.. إنها "أباتشي".. عرف الغزيون المهاجرون على السفينة أن صوت الهدير الذي يقترب من السفينة هو صوت طائرة أباتشي التي اعتادوا على سماع صوتها في غزة مغيرة على أحيائهم الصغيرة، لكنها في هذه المرة استبدلت صواريخها بالصور..! ثم غادرت دون رجعة وقلوب المهاجرين تحترق حيرة لم حضرت؟ ولم غادرت؟.

تبين فيما بعد أن هذه الطائرة تتبع للصليب الأحمر، حضرت لتحديد مكان السفينة والتقاط الصور لها حتى تضع فرق الصليب خطتها لإنقاذ المهاجرين في ظل هذا الهيجان القاسي لأمواج البحر..

انقطعت السبل، ولا مناجاة لغير الله حتى يُسلم هذه الرحلة، والبحر يصارع السفينة التعبة، والقدر يدق الباب أني هنا، والمصير مجهول.. أما الوقت فما كان له أن يمضي.. حتى أنه غاب عن الوعي فوق تلك السفينة، حيث نفد شاحن بطاريات الهواتف النقالة وحلت محلها علامات الجغرافيا.. قمر ونجوم ليس لعددها إحصاء..

وفي ساعة "فرحة" ما كادت تُصدق.. اقترب من السفينة موج من المراكب على اختلاف أحجامها، بينها ثلاثة لانشات للصليب الأحمر لم تستطع الاقتراب أكثر!، حتى شكلت باقي المراكب مثلثاً ثانيا ليكسر موج البحر الهائج، وبعد محاولات مضنية تمكنت فرق الإنقاذ من تهذيب الموج، وتقدمت لانشات الصليب الأحمر وانتشلت العائلات فقط، أما المركبان المتبقيان للصليب فنقلا باقي المهاجرين إلى جزيرة صقلية.

مهرب تونسي

السلطات على جزيرة صقلية الإيطالية، قامت بفصل المرضى من المهاجرين وتقديمهم للعلاج، ثم قسمتهم حسب الجنسيات، وقدمت لهم الطعام والشراب وبعض الملابس ومأوى للنوم ليوم واحد، وفي اليوم التالي توجهوا لأخذ "البصمة " لمن أراد البقاء في إيطاليا، أو المغادرة في موعد أقصاه أسبوع..!.

لم تكن إيطاليا وجهة "عمر" الذي أراد اللحاق برفيق قديم سبقه إلى بلجيكا.. فانطلق برحلة أخرى إلى مجهول داخل أوروبا، وشبح القبض عليه يداهم أفكاره، فكان شديد الحذر وبرفقته ثلاثة شبان كانت لهم نفس الوجهة.. قصدوا مدينة "ميلانو سالت "ومنها إلى مدينة "كاتانيا" حيث وجد الرفاق مسجداً نالوا فيه قسطاً من الراحة ووجبتين على مدار ثلاثة أيام، ثم غادروا إلى مدينة "ميلان" آخر المدن الإيطالية، وهنا وقفت المجموعة في المحطة الأصعب، فالطريق إلى مدينة "نيس " الفرنسية –محطتهم التالية- خطرة أمنيا وبالكاد يمر منها مهاجر دون أن تلقي السلطات الفرنسية القبض عليه.

تواصلت المجموعة مع مهرب "تونسي" ضمن لهم طريقا آمنا يستقلون فيه السيارة بدلا عن القطار، لكن بشرط، التذكرة التي تساوي 5 يورو في القطار ستدفعونها مضاعفة 50 يورو من كل راكب، فوافق الشبان على طلبه وبالفعل وصل بهم إلى "نيس" سالمين.

يقول عمر:" طلب المهرب 100 يورو لكننا حاولنا المساومة حتى 50 فقط.. وحتى نضمن سلامتنا دفعنا"، وهناك توجهنا بالقطار إلى محطة "باريس جران لايون" ومنها بتاكسي آخر لمحطة "جران نورث"، ثم ركبنا القطار إلى العاصمة البلجيكية "بروكسل" ..

ساعة واحدة

وتابع: " إذا فاتنا القطار كنا نستقل سيارة للحاق به، وفي إحدى المحطات الفرنسية "باريس نورث" ألقي القبض علي وأنا أقوم بقطع تذاكر للمحطة اللاحقة، فأخذني الأمن الفرنسي وبصمني بصمة "جنائية" والتقط لي الصور، وعندما عرف بوجهتي إلى بلجيكا أعطاني ساعة واحدة للمغادرة..!

وفي بروكسل.. استقبل "عمرَ" ورفاقَه صديقٌ قديمٌ، استضافهم في منزله حتى اليوم التالي، حيث توجه الشبان إلى مقر اللجوء "الكومسارية" وسلموا أنفسهم بعد أن أخفوا جوازات سفرهم.. وهناك يتم فرز اللاجئين حسب جنسيتهم، ثم يمنحونهم بطاقة تعريفية مع صورة شخصية عليها ختم سحري حتى لا يقعون بمتاعب مع الشرطة، كما يمنحون اللاجئ رقما لمقابلة قد تأتي بعد أسبوع أو شهر أو أكثر لا نعلم، لكن بعد عدة مقابلات يقررون منح اللاجئ الإقامة من عدمه، وبالتالي حق العمل أو العودة.

يجلس "عمر" الآن بمنتجع سياحي "هو مأوى للصليب يبعد عن العاصمة "بروكسل" مسيرة ساعتين بالقطار، والناس فيه قِلة، وما يأخذه كمهاجر من "مصروف" يُلزمه البقاء في المنزل ولعل هذا ما ترمي إليه السلطات هناك حسب تخمين "عمر"، الذي يعتبر نفسه وصل إلى بلجيكا بأعجوبة، وأن نصيبه الطيب وضعه في ملاجئ الصليب لا ملاجئ الحكومة ؟، كونها "أقل اهتماما من الصليب بالمهاجر"، معلنا بداية مشواره مع دروس اللغة البلجيكية.

لن أعيد التجربة

وعن رحلة ثالوث الموت بين غزة والإسكندرية وإيطاليا، أكد "عمر" أنه لو عاد به الزمن إلى الوراء وعلم أن ما حصل معه قد يحصل، فلن يعيد الكرة حتى وإن كانت الهجرة حُلما قديما تمناه، وقال:" شقيقي أراد اللحاق بي ومنعته خوفا على حياته فما شاهدته قتلني عشرات المرات وبالكاد نجوت".

وحذر "عمر"، الشبان في قطاع غزة من المجازفة، وقال:" قصصت لكم حكايتي بالتفصيل حتى تعلموا ما ستواجهونه في هذه الرحلة العصيبة، وهناك العشرات من المهاجرين تم إلقاء القبض عليهم، وسمعنا بغرق آخرين"، وتابع:" حلمت بالهجرة وتمنيتها ولكن ليس بهذا الشكل المهين ولا بهذه الخطورة التي تصل حد السجن أو الوفاة".

"عمر" لم يكن المهاجر الوحيد الذي وصلت إليه "فلسطين" وتحدثت معه عن تفاصيل رحلة اللا عودة هذه، لكن "عمر" كان صاحب الدرس الأكبر، والذي طلب من "فلسطين" تحذير الشباب الغزي من مرارة التجربة وخطورتها.

هل تَسلَم الجرة؟!

ومهما بلغت الأسباب عزيزي القارئ، قارن بنفسك أيهما أفضل؟ (السجن) في قطاع غزة المحاصر بين أهلك وأحبابك، أم في السجون المصرية أو الأوروبية؟، وأيهما أنجى "شهادة" في سبيل الله على أرض الرباط، أم غرق على السواحل المصرية أو الإيطالية؟!.. وختاماً, من منا لا يتطلع إلى مستقبل أفضل ولكن ليس بهذه الطريقة .. وهل تسلم الجرة في كل مرة؟!

المصدر: صحيفة فلسطين



السابق

تشنجات وانطوائية وتأتأة .. في مدارس غزة

التالي

دائرة أوقاف القدس توظف حارسات في المسجد الأقصى لأول مرة في تاريخ المسجد


أضف تعليق

قواعد المشاركة

 

تغريدة "Gaza Writes Back"

  !israel is a piece of shit and they know ittwitter.com/ThisIsGaZa/status/595385208385449985/photo/1 




تغريدة "عاصم النبيه- غزة"

 عندك القسام وبتأيد داعش؟ روح استغفر ربك يا زلمة.. #غزةtwitter.com/AsemAlnabeh/status/595507704338186240
 




تغريدة "أحمد بن راشد بن سعيد"

القاهرة تنتفض ضد قرار تقسيم #فلسطين عام 1947.كان زمان!لكن تظل #فلسطين_قضيتناtwitter.com/LoveLiberty/status/594548013504307200/photo/1




تغريدة "Joe Catron"

 Take a moment to thank "@MsLaurynHill" for cancelling her concert in occupied Palestinetwitter.com/jncatron/status/595337215695192064/photo/1




تغريدة "Dr. Ramy Abdu"

 المغنية الأمريكية المشهورة لورين هيل تلغي حفلها الفني في "إسرائيل" بعد حملة واسعة لنشطاء حركة المقاطعة.twitter.com/RamAbdu/status/595530542910742528




تغريدة "النائب جمال الخضري"

في #غزة يقهرون الإعاقة ويلعبون الكرة الطائرة أطرافهم بترت اثناء الحرب على غزة لا يأس ولكن عزيمة وصمود لهم التحية.twitter.com/jamalkhoudary/status/595520655858147328





 

حسام شاكر

الإبداع في ذروته .. رفعت العرعير مثالاً

أيُّ إبداعٍ يُضاهي أن تُنسَج القصيدة المعبِّرةُ من نزفِ شاعرها أو أن تصير الكلمات المنقوشة بالتضحيات العزيزة محفوظاتٍ مُعولَمة في … تتمة »


    ابراهيم العلي

    في ظلال يوم الأرض الفلسطينون : متجذرون ولانقبل التفريط

    ابراهيم العلي

     يعد انتزاع الاراضي من أصحابها الأصليين الفلسطينيين والإستيلاء عليها أحد أهم مرتكزات المشروع الصهيوني الاحلالي ، فالأيدلوجية الصهي… تتمة »


    لاعب خط الوسط الأردني محمود مرضي يرفع قمصيه كاتباً "هي قضية الشرفاء" ، بعد تسجيل هدف لمنتخبه ضد ماليزيا.
    لاعب خط الوسط الأردني محمود مرضي يرفع قمصيه كاتباً "هي قضية الشرفاء" ، بعد تسجيل هدف لمنتخبه ضد ماليزيا.