برج البراجنة.. الكهرباء تحصد عشرات الضحايا والرقابة غائبة!

منذ 10 سنوات   شارك:

سماء مخيم برج البراجنة تكاد لا تُرى، وليس السبب زواريبه المعتمة، ولا المباني العالية التي تخنق المخيم، بل هي خطوط المياه والكهرباء والساتلايت والانترنت، والإشتراك والهاتف الداخلي، وحتى حبال الغسيل.. كلها تتقاطع وتتلاقى في سماء المخيم لتكوّن شبكة عنكبوت قاتلة تصطاد ضحيتها من أبناء المخيم الواحد تلو الآخر.

يعاني مخيم برج البراجنة مشاكل لا تعد ولاتحصى، لا ينتهي الحديث عند تراكمات ست وستين عاماً. فكل المشاكل بارزة، إذ لا يمكننا أن نتحدث عن واحدة دون المجيئ على ذكر الأخرى. إلا أن الكهرباء في المخيم تلعب دوراً لا يستهان به في تردّي أوضاعه، فقد سبق وأن حصدت عدداً من أرواح القاطنين فيه على اختلاف أعمارهم، ابتداء من محمد يعقوب ذي الأربعة عشر ربيعاً، مروراً بالحاج أبو علي كارلوس، وانتهاء بعامل النظافة، دون أن ننسى المرأة والشاب السوريين، والقائمة تطول ولن تتوقف عن إضافة أسماء جديدة قبل العمل على حلّ جذري لهذه المشكلة في المخيم.

يعيش في المخيم 25 ألف لاجئ فلسطيني، وما يقارب الـ25 ألف سوري، وفقاً لإحصاءات الجمعيات الأهلية في المخيم، بالإضافة إلى عدد لا يستهان به من ذوي الجنسيات الأجنبية، على مساحة تبلغ حوالي الـ750 متراً مربعاً. يتغذى المخيم بالطاقة عن طريق خمسة محولات رئيسية موزعة على مداخل المخيم، وتبلغ طاقة كل منها 1000 كيلو وات تقريباً. أما الطاقة الكهربائية فإنها تصل إلى منازل الساكنين في المخيم من خلال علب التوزيع المنتشرة فيه، عبر شبكة خطوط قد يبلغ عددها السبعين خطاً في العلبة الواحدة، وهنا تبدأ المشكلة.

خطوط عنكبوتية

يؤدي العدد الكبير من الخطوط في العلبة الواحدة، وبعد المسافة بين المنزل والعلبة، إلى ظهور بيت عنكبوت تتداخل فيه أسلاك الكهرباء، مع شبكة توزيع المياه وغيرها من الأسلاك، الأمر الذي يؤدي إلى قرب مسافة هذه الأسلاك من شرفات المنازل والأرض بشكل كبير وخطير، لدرجة أنها تلامس رؤوس المارّة في كثير من الأحيان. الأمر الذي يتسبب بالكثير من الوفيات والإصابات وحتى حرائق في المنازل.

تجدر الإشارة الى أن علبة الكهرباء تعاني من أعطال متكررة، بشكل يكاد يكون شبه أسبوعي، وعادةً ما تكون نهايتها الإنفجار والإحتراق، بسبب التمديدات العشوائية وغير المدروسة وعدم الاستعانة بشخص مختص.

وفي هذا الإطار أوضح المعني بالكهرباء في اللجنة الشعبية الحاج أبو عمر، في ضوء دراسة أجراها عن وضع الكهرباء في المخيم السنة الماضية لـ وكالة "القدس للأنباء" أنه: "يوجد في مخيم برج البراجنة خمس محولات أساسية تنتج حوالي الخمسين ألف أمبير، إلا أن حاجة المخيم الفعلية هي الضعف، أي ما يقارب الألف أمبير. لقد حاولنا أن نخفف من هذه التمديدات العنكبوتية، إلا أن العديد من المشكلات كانت لنا بالمرصاد، فشركة كهرباء لبنان رفضت العمل بالتمديدات داخل المخيم لأسباب سياسية. إلّا أننا نحاول وباستمرار إيجاد حلول وتطبيقها على أرض الواقع، بغض النظر عن المعوقات. "لكن ما هي هذه المشاكل التي جعلت من حلّها أمراً صعباً؟

شهداء الكهرباء

كانت لي حياة. كان لي مستقبل... حتى لا يموت طفل آخر، كلمات تستقبلك لحظة دخولك مخيم برج البراجنة، كتبت على صورة الشاب أحمد يعقوب بجانب صور الشهداء.

رفضت والدة أحمد يعقوب التحدث عن حادثة وفاة ولدها الوحيد، التي مرّت عليها خمس سنوات، وقالت جملة واحدة: "أتى الكثير ورحل الكثير وأخذوا الصور ورأوا دموعي ولم يتغير شيئ..". توفي أحمد ابن الثامنة عشر ربيعاً أثناء مساعدته للجيران في دفع سيارة معطلة. أمطرت السماء موتاً عندماً سقط سلك على رأس أحمد ليصعقه ويموت فورا،ً وينضم إلى قائمة ضمت أربعة وعشرين إسماً غيره.

أمّا عائلة أحمد، فقد كانت خسارتها أقل وطأة من غيرهم. حيث أن الكهرباء تسببت على حدّ قول أبو محمد أحمد، بحريق سبب أضراراً في بعض أغراضهم المنزلية. ويقول أبو محمد: "لقد احترقت علبة الكهرباء أثناء الليل، وأحد الأشرطة احترق، وامتد الحريق الى الغسيل الذي كان يتدلى على حافة الشرفة، وانتقلت النيران الى داخل المنزل، وللطف الله لم يكن هناك سوى بعض الأضرار الماديّة".

مشاكل بلا حلول

لقد حاولت بعض الجهات إيجاد حلول لمشكلة الكهرباء المتأصلة في المخيم، لكن قبل معرفة هذه المبادرات البسيطة علينا معرفة السبب وراء المشكلة. أولى الأسباب التي يجب التحدث عنها هو التمديد العشوائي لشبكة توزيع الكهرباء، وضعف التجهيزات المستخدمة، وعدم كفايتها، ناهيك عن عدم كفاية الطاقة الموجودة. فالتمديد العشوائي هو نتاج بعد مسافة علب توزيع الكهرباء عن المنازل طبعاً، بسبب نقص كمياتها، وهنا يلجأ ابن المخيم الى خبراته المحدودة في الكهرباء لتمديد الخطوط ويستغني عن الفنيّ المتخصص وإشرافه. وأشار أبو عمر إلى أن: "بعض أبناء المخيم يحاولون تمديد الكهرباء بشكل غير شرعي، إما عبر إضافة خط جديد الى العلبة دون معرفة اللجنة الشعبية، أو عبر أخذ خط من الكابلات. الأمر الذي ساهم في تفاقم مشكلة التمديدات المبعثرة هنا وهناك".

أمّا السبب الثاني، فهو سوء إدارة قطاع الكهرباء. فالإهمال يسود توزيع وصيانة قطاع الكهرباء في المخيم، لأن الجهات المعنية كاللجان الشعبية، التي تمثّل السلطة المحلية، ومنظمة الأونروا تتغاضى لسبب أو لآخر عن إصلاح الأمور، وبهذا فقد السكان ثقتهم باللجان الشعبية والأونروا، مما أدى إلى حالة من الفلتان، فالسكان أصبحوا يؤمنون حاجاتهم من الكهرباء بطرقهم الخاصة دون رقيب ولا حسيب، حتى أن البعض من السكان يرفض التعاون مع محاولات اللجان الخجولة، لفرض نوع من التنظيم. ويضيف: "بعض الناس ترفض حتى التعاون في ما يخص الجباية، فعدد من المشتركين يمتنعون في الواقع عن دفع مبلغ فاتورة الكهرباء لأسباب متعددة، منها النفوذ السياسي، أو الغطاء الأمني السياسي من النافذين، وهنا تتحمل المسؤولية مجدداً اللجان الشعبية التي لم تفرض سيطرتها بالشكل اللازم، وتطبق النظام على سكّان المخيم بعدل وبتساوٍ. أمّا الأونروا فهي تتهرب من مسؤولياتها المترتبة عليها بكل بساطة".

وطبعاً لا يمكننا إلقاء اللوم على المنظمة والأونروا وحسب، فللنّاس في مخيم برج البراجنة دور كبير في هذه المشكلة، لغياب ثقافة ترشيد استهلاك الكهرباء. فمعظمهم يعمدون الى استهلاك كميات هائلة من الطاقة أحيانا،ً دون الحاجة إليها، كإبقاء الأنوار مضاءة وسخّانات المياه والمكيفات وطبعاً المدافئ في الشتاء، فينتج عن ذلك مصروف هائل للطاقة وغالباً ما تكون المحصلة إنفجار إحدى العلب، أو حتى غرفة الكهرباء بحد ذاتها. وأضاف أبو عمر: "بالإضافة إلى غياب الترشيد هناك غياب لمراقبة الذات، فبعض الناس تتعدى على ما يملكه غيرهم من الطاقة الكهربائية، فهم يعتبرون أن ما لديهم لا يكفيهم، فيقومون "بالتعليق" على الخطوط الممدودة هنا وهناك، أو بالتعدي على العلبة. حتى أن بعضهم يقوم بسرقة الكابلات من أجل بيع النحاس الموجود داخلها". وأوضح قائلاً: "لقد قمنا باستبدال كابلات النحاس بالألمينيوم، لكن الناس لا تزال تقوم بالأعمال الأخرى".

وهكذا، فإن الأمور في مخيم برج البراجنة تبقى على ما هي عليه، فنحن ندور في حلقة مفرغة لا نهاية لها، إذ لا يمكن حل المشاكل لكثر المسببات، ولا يمكن الحدّ منها لكثرة وجود المشاكل. ينبغي على اللجان فرض سلطتها بالشكل اللازم، على جميع سكّان المخيم دون استثناء، والعمل لوقف المحسوبيات، ويجدر بأهل المخيم أن يفرضوا القليل من الرقابة الذاتية على أنفسهم، لأجل صلاح مخيمهم فهم المتضرر الأول والأخير من هذه المشاكل وما ينتج عنها.

المصدر: القدس للأنباء



السابق

معرض صور للأونروا بعنوان "لاجئون مرتين" في بيروت

التالي

اعتصام لفلسطينيي سورية أمام «الأونروا» في البقاع


أضف تعليق

قواعد المشاركة

 

تغريدة "Gaza Writes Back"

  !israel is a piece of shit and they know ittwitter.com/ThisIsGaZa/status/595385208385449985/photo/1 




تغريدة "عاصم النبيه- غزة"

 عندك القسام وبتأيد داعش؟ روح استغفر ربك يا زلمة.. #غزةtwitter.com/AsemAlnabeh/status/595507704338186240
 




تغريدة "أحمد بن راشد بن سعيد"

القاهرة تنتفض ضد قرار تقسيم #فلسطين عام 1947.كان زمان!لكن تظل #فلسطين_قضيتناtwitter.com/LoveLiberty/status/594548013504307200/photo/1




تغريدة "Joe Catron"

 Take a moment to thank "@MsLaurynHill" for cancelling her concert in occupied Palestinetwitter.com/jncatron/status/595337215695192064/photo/1




تغريدة "Dr. Ramy Abdu"

 المغنية الأمريكية المشهورة لورين هيل تلغي حفلها الفني في "إسرائيل" بعد حملة واسعة لنشطاء حركة المقاطعة.twitter.com/RamAbdu/status/595530542910742528




تغريدة "النائب جمال الخضري"

في #غزة يقهرون الإعاقة ويلعبون الكرة الطائرة أطرافهم بترت اثناء الحرب على غزة لا يأس ولكن عزيمة وصمود لهم التحية.twitter.com/jamalkhoudary/status/595520655858147328





 

حسام شاكر

الإبداع في ذروته .. رفعت العرعير مثالاً

أيُّ إبداعٍ يُضاهي أن تُنسَج القصيدة المعبِّرةُ من نزفِ شاعرها أو أن تصير الكلمات المنقوشة بالتضحيات العزيزة محفوظاتٍ مُعولَمة في … تتمة »


    ابراهيم العلي

    في ظلال يوم الأرض الفلسطينون : متجذرون ولانقبل التفريط

    ابراهيم العلي

     يعد انتزاع الاراضي من أصحابها الأصليين الفلسطينيين والإستيلاء عليها أحد أهم مرتكزات المشروع الصهيوني الاحلالي ، فالأيدلوجية الصهي… تتمة »


    لاعب خط الوسط الأردني محمود مرضي يرفع قمصيه كاتباً "هي قضية الشرفاء" ، بعد تسجيل هدف لمنتخبه ضد ماليزيا.
    لاعب خط الوسط الأردني محمود مرضي يرفع قمصيه كاتباً "هي قضية الشرفاء" ، بعد تسجيل هدف لمنتخبه ضد ماليزيا.