شبكة العودة في عين الحلوة: مشاهدٌ أعادت ذكرى الاجتياح الاسرائيلي
في عين الحلوة، محاولةٌ لاغتيال الحياة!
شبكة العودة الإخبارية تعاين مخيم عين الحلوة
تقرير: هبة الجنداوي
في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين جنوب لبنان تختلف المشاهد التي تطغى عليه اليوم بعد المعارك الدامية عن تلك الأيام التي سبقت حالة الحرب. حيث كانت الطرقات تمتلئ بالحركة مع أصوات الباعة والأطفال والتجّار والمتسوّقين، أمّا اليوم فحالةٌ من الحزن والصمت الحذر تجتاح المخيم في كلّ أرجائه..
«لم نشهد أياماً عصيبةً داميةً كتلك التي عشناها خلال هذا الأسبوع، منذ الاجتياح الاسرائيلي عام 1982».. كلماتٌ قالها أحد المارّة على عجلٍ أثناء عبوره من منطقة "حي الصفصاف- الطيرة"، حيث احتدمت المعارك هناك، كان ذاهباً ليتفقد محله الصغير لبيع الهدايا بعد أن صار خراباً!
فالمعاركُ بلغت ذروتها ليلة الثلاثاء الماضية خلّفت وراءها 4 قتلى وأكثر من 20 جريح أكثرهم مدنيون، ليعود التوتر ويتجدّد في حي الصفصاف ليلة الخميس بعدما أطلق مجهولون النار على أحد عناصر القوة الأمنية فأرداه قتيلاً.
للحكاية بقية..
وفي "حي الطوارئ" في الجهة الأخرى من المخيم كان الوضع على ما هو عليه حيث الدُّشم والمتاريس لا تزال منتصبةً في حالةٍ من التهيؤ لأي معركةٍ أخرى، لتُقسّم المخيم إلى قسمٍ شرقيٍّ خاضع لسيطرة حركة فتح، وقسم غربيّ خاضع لمجموعة "جند الشام"، وفق وكالة الأناضول. والمسلحون ينتشرون في الشوارع حفاظاً على أمنٍ متصدّع! وهناك كان للحكاية بقيّة..
ففي أحد الأزقة النائية في "حي الطوارئ" يقف الحاج جمال أبو ليلى يلملم بقايا الأمل في أن يستعيد قواه وصبره بعد أن اكتشف أنّ حجم الأضرار التي لحقت بمعمل المثلّجات الذي يمتلكه قد فاقت الـ 40 ألف دولار أميركي، لكنه يخشى أن تتحول قضيته كما الكثير من قضايا المنكوبين، إلى مجرّد ذكرى أليمة يتحسّر عليها كلّما تذكر حجم الخذلان الذي باءت به قضيته فلا يجد من يعوّضه عن الأضرار!
يقول أبو ليلى «المعمل معطّل الآن لا أعرف ماذا أفعل، إنني في انتظار العمل بقضيتي التي طرحتها على القوة الأمنية ووعدوني خيراً ريثما تهدأ الأوضاع.. لكن ما أنا خائفٌ منه أن تطول القضية وتتراكم الديون على كاهلي».
عشرون عاماً وأبو ليلى يعمل بجدٍ ليل نهار ليزدهر معمله ويكبر، ليراه ما بين طرفة عينٍ وأخرى أسوداً كالحاً بفعل القذائف التي انهالت على المخيم في ليلةٍ سوداء تناثرت فيها خفافيش الليل من كل حدبٍ وصوبٍ باعثةً الشؤم في الأجواء.
ويضيف أبو ليلى «موتور كهرباء المعمل انحرق، وكذلك الشاحنة، والبرادات، وغيرها.. لا أقول إلاّ العوض من الله هذه إرادته..».
وفي بيت الزينكو على بعد 50 متراً من مفرق مستشفى القدس (بستان اليهودي)، كانت الحاجة أم رامي (70 عاماً) تجلس في الظلّ أمام منزلها هرباً من حرّ الصيف وانقطاع الكهرباء نتيجة تضرّر أشرطة الكهرباء بفعل القذائف. تقول أم رامي «أثناء المعارك خرجت قليلاً إلى أحد مكاتب الجبهة الشعبية في حيّنا لنحتمي هناك، لكني عدت إلى منزلي بعد ساعات قليلة.. فالمقدّر مكتوب ما منّو مهرب..».
ورغم أنّ سقف الزينكو الذي يحمي منزلها الصغير لا يتحمّل حتى صوت القذائف المدفعية، أصرّت أم رامي أن تبقى في المنزل، وأن لا تخرج منه مهما حصل. «فقد اكتفت من التهجير والذلّ "والتشحشط" منذ النكبة وحتى الآن، ولن ينالوا مرادهم أبداً» تقول أم رامي.
ومشاهد نحو 500 عائلة فلسطينية نازحة في مساجد مدينة صيدا تثبت مقولة أم رامي في اكتفائها من التهجير والذلّ الذي يريده البعض للاجئين الفلسطينيين. فهذا الوضع المتأزّم دفع أعداداً كبيرة منهم في التفكير الجدّي بالهجرة طلباً "للحياة".
وانقطعت سبل الحياة..
أما وضع حي السميرية فلا يختلف كثيرا عن حي الطوارئ والطيرة، فالمنازل والسيارات محترقة والمحال مدمّرة، وأسلاك التيار الكهربائي مقطّعة، ونفايات تراكمت في مشهدٍ قاتلٍ، واستياءٌ عارمٌ يجوب المكان بين الأهالي على ما آلت إليه الأمور.
إذ يرثي أبو خليل الكزماوي وضعه بعدما سقطت قذيفة على منزله الصغير عبر نافذة المطبخ لتدمّر ثلاثة أرباع المنزل.
أبو خليل ذلك الرجّل المعوّق لم تكن هذه هي المرّة الأولى التي يتضرّر بها بفعل المعارك إذ سبق وأن سقطت قذيفة على منزله قبل مدّة أثناء تواجدهم في المنزل، ومرّةً انتكب المحل الذي كان يستأجره في السوق قبل عدة سنوات.
يقول أبو خليل «حجم أضراري في هذه المعركة يتخطى 6000$، بالإضافة إلى أنّ محل ابني على الشارع الفوقاني هو الآخر قد تضرّر بسبب القذائف.. مصائبنا كبيرة كتير!».
يتساءل أبو خليل باستغراب حول عدم تقديم التعويضات من قبل المسؤولين عن انتكاب الأوضاع في المخيم ويقول «ما معهم أموال يعوضوا على العالم، كيف بيشتروا رصاص وصواريخ وقذائف تصل كلفة الواحدة منها إلى 1000$!.. نحن شعب نظلمنا كتير».
لم يخطئ ذلك الحاج السبعينيّ الذي التقيناه في إحدى المرّات السابقة في المخيم، عندما قال أنّ هذه النّكبة التي يشهدها مخيم عين الحلوة في الآونة الأخيرة هي أصعب من كلّ النكبات التي مرّت علينا، لأنّ عين الحلوة هو القلعة الأخيرة التي يحتمي فيها اللاجئون، ومحاولة اقتلاعها فجّرت أوجاعاً شتّى، وما عاد في القلب متسع للمزيد!
أضف تعليق
قواعد المشاركة