العرب إذ يوقعون قرارا باعدام القضية الفلسطينية
عزالدين أحمد ابراهيم
إعلامي فلسطينيلا يختلف مراقبان على أن القضية الفلسطينية تمرّ هذه الأيام بأكثر لحظاتها صعوبة وشدة، وأن المخاطر المحدقة بها من كل صوب في تصاعد، وأن القريب قبل البعيد يحرص على تصفيتها بشكل نهائي لإنهاء صداع لم تنفك الأنظمة العربية بالسعي للخلاص منه لولا صمود أبناء الشعب الفلسطيني ومخلصين كثر من أبناء هذه الأمة.
وقد يقول قائل إن القضية الفلسطينية منذ بداية الاحتلال تمرّ بأزمات ومنعطفات خطيرة، وأن ما يجري لها الآن ليس بجديد، قد يكون ذلك صحيحاً، إذا ما استثنينا لحظات الأمل التي شعر بها الفلسطينيون مع بداية الربيع العربي الذي أعاد القضية إلى وجدان الشعوب الثائرة قبل أن تتدارك أنظمة الاستبداد العربي نفسها وتشنّ ثورات مضادة أقل ما يمكن وصفها بأنها انتقامية ودموية ضحيتها بعد شعوبها فلسطين القضية.
نقول هذا ونحن نرى كيف هبطت فلسطين إلى المرتبة الأخيرة في أولويات الشعوب المغلوبة على أمرها أمام هجمة أنظمتها التي تُبدي استعداداً لسفك مزيد من الدماء في سبيل الحفاظ على بقائها واستمرارية وجودها.
وسط هذه الأجواء، وفي ظل مساعي الأنظمة العربية لفصل القضية الفلسطينية عن الوعي الجمعي للشعوب العربية، لا نستغرب ما يطرحه كاتبٌ سعودي في مقال له بعنوان «لماذا لا نتخلص من الفلسطينيين»، كتعبير عن ما وصلت إليه بعض النخب العربية من حالة يأس حيال تعاطي الجهات الرسمية العربية مع فلسطين شعباً وقضية.
التطورات المتلاحقة إقليمياً وفلسطينياً توحي أن ثمة ترتيباً جديداً -دولياً وإقليمياً- يجري الإعداد له، تتمّ بموجبه تسوية الملفات السياسية المشتعلة (العراق، سورية)، والتفرغ بشكل كامل لتصفية القضية الفلسطينية وإخضاع المقاومة الفلسطينية، وبالتالي فرض التسوية السياسية مع الكيان الاسرائيلي أمراً واقعاً، أو ربما العكس، أي البدء بتصفية الملف الفلسطيني للتفرغ للملفات الأخرى وطبخها على نار هادئة.
لا نبالغ إذا قلنا أن رأس حركة حماس -بصفتها أبرز قوى المقاومة في فلسطين- هو المطلوب في المرحلة القادمة، ويكاد يكون تصفية الحركة هو الهدف الذي يجتمع عليه الغرب والكيان وغالبية قوى الإقليم بما فيها دول عربية، على الرغم من التباينات في تقدير المواقف المتعلقة بالملفات السياسية الأخرى.
التصعيد في الضفة الغربية وقطاع غزة ضد حماس وقوى المقاومة في هذا التوقيت، يحمل دلالات خطيرة، قد يكون أهمها أن قراراً دولياً وإقليمياً ربما بدأ العمل به للتخلص من الحركة، وذلك بالتوازي مع مساعٍ دولية لفرض تسويات سياسية في المنطقة تضمن، أولاً هدوء الإقليم وتمتين جبهة حماية الاحتلال من أي تهديد، وثانياً ضمانة تقاسم القوى الإقليمية والدولية لمكاسبها السياسية ومناطق نفوذها على المدى البعيد.
أمام هذا المشهد تبدو الخيارات ضيقة جداً أمام حركة حماس والمقاومة الفلسطينية، حيث الوضع الداخلي المعقد لا سيما بعد اتفاق المصالحة الذي يبدو أنه سيستخدم ضدها، وفي ظل الحصار المشدّد إسرائيلياً ومصرياً في غزة، وفي ظل انقلاب في الواقع العربي والإقليمي غير القادر على توفير أي ضمانة أو حماية كما كان مؤملاً إبان الثورات العربية وما أفرزته من تطلعات قبل إجهاضها.
حماس والمقاومة الآن أمام معركة وجود، لا تستهدفها كتنظيمات، بقدر ما هو استهداف للقضية أو ما تبقى منها على الأقل، والتوجه العربي والإقليمي والدولي حالياً هو نحو إعادة قولبة القضية الفلسطينية والحفاظ على عناصر معروفة يمكن من خلالها تمرير اتفاق تسوية بالحد الأدنى.
أمام كل ما سبق، ما هو الخيار المتاح أمام الفلسطينيين مقاومة وشعباً، هل التسليم هو الأسلم، أم أن الانحناء للعاصفة ربما يكون الحل الوحيد والأنجع لحين تشكّل ظروف إقليمية ودولية جديدة؟
التجارب السابقة أثبتت أن المقاومة الفلسطينية لا تختار المواجهة، ولكن إذا فُرضت عليها، فإنها تبذل كل ما بوسعها لفرض قواعد جديدة في اللعبة، وهو ما شاهدناه في الحرب الأخيرة، وهذا ما نتوقعه من مقاومة عملت خلال الفترة الماضية على الاستفادة من لحظات في الظرف الإقليمي للارتقاء بمستواها.
وبالتالي فالصمود، والصمود فقط، هو عنوان المرحلة العصيبة القادمة، والتعويل بعد الله، هو على سواعد المقاومين ومن خلفهم شعب يشعر بالخذلان، وصل إلى قناعة أن عملية التسوية هي مجرد أوهام تتبخر بعد كل قطرة دم تسفك في الضفة أو القطاع سواء على يد المستوطنين أو بقصف لطائرات الاحتلال.
أضف تعليق
قواعد المشاركة