المؤسسات الفلسطينية في أوروبا بين العمل الجاد وضياع الإستراتيجيات

منذ 7 سنوات   شارك:

علاء البرغوثي

صحفي وباحث فلسطيني

«التصفيق لأنفسنا ليس ردًا كافيًا على ما تعرضنا له ولا يساعدنا إطلاقًا على فهمه» كلمات كتبها مريد البرغوثي في روايته «رأيت رام الله» التي أحسبها من أعمق الروايات التي تصف حياة اللاجئ الفلسطيني في المهجر.

«التصفيق لأنفسنا» كلمتان تصفان جزءًا ليس باليسير من الأنشطة التي يقيمها الفلسطينيون في مهجرهم، صحيح إن أي عمل لفلسطين مهما كان بسيطًا هو محل تقدير واحترام وهو عمل مطلوب لا شك، وخصوصًا في بلدان الاغتراب.

وصحيح أن كل فلسطيني هو سفير لقضيته ناقل لآلام اللاجئين والأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في سجون المحتلين وأتباعهم من أنظمة قمعية عربية، لكن علينا أن ندرك تمامًا أننا بتنا نعاني من تخمة بالأنشطة السطحية على حساب الأنشطة والعمل النوعي الإستراتيجي في كسب الشعوب الغربية وسياسييها والمؤثرين في صنع القرار فيها من إعلاميين وقادة رأي عام وفنانين وغيرهم.

ناهيكم عن غياب آليات ومعايير نجاح تلك الأنشطة فهي ناجحة دائمًا، طبعًا في معايير من يصفقون لأنفسهم!

مع التشديد أن هناك مؤسسات أوروبية قد ضربت أروع المثل على العمل لأجل فلسطين سواء من حيث التخطيط أو الأنشطة النوعية التي استطاعت من خلالها تحقيق اختراقات واضحة على مستوى القارة الأوروبية، فكان التواصل مع البرلمانات الأوروبية والتنسيق مع المؤسسات الحقوقية الدولية، والعمل مع المؤسسات الإغاثية الدولية للتخفيف من معاناة أبناء الشعب الفلسطيني قدر المتاح.

سأتناول هنا العمل لفلسطين في السويد بشيء من التوسع، حيث كنت قد أجلت الحديث عن هذه القضايا لأتم فترة ليست بالقليلة أكون قد أمضيت فيها وقتًا كافيًا نسبيًا للاطلاع على تفاصيل العمل في بلد إقامتي الجديد.

بشكل عام أعتقد أن ما نعانيه في السويد يمكن إسقاطه بشكل أو بآخر على ما يعانيه أصدقاؤنا في باقي الدول الأوروبية مع مراعات الاختلاف في المكانة الدولية التي يشغلها هذا البلد أو ذاك، فمكانة بريطانيا مثلًا ليست كمكانة ألمانيا، ومكانة ألمانيا ليست كمكانة السويد في السياسية الدولية وهكذا.

نعود للسويد للحديث عن العمل لفلسطين في تلك الأرض المسالمة، تلك الأرض التي تحتضن العمل المدني بمختلف توجهاته واتجاهاته وتقدم له الدعم غير المحدود عبر عدة مؤسسات حكومية متخصصة بذلك، وهنا لا بد لنا من الحديث عن بعض النقاط الهامة المتعلقة بمؤسسات العمل المدني في السويد التي يتقاطع معظمها مع البلدان الأوروبية الأخرى:

- ترخيص المؤسسات المدنية في السويد هو أمر يسير لا يحتاج من أي جهة سوى أن تحقق بعض الشروط الروتينية والبسيطة جدًا من عدد معين من الأعضاء (3-7) وقد يختلف ذلك باختلاف حقل عمل المؤسسة، ووضع نظام داخلي، وعنوان المؤسسة – يمكن أن يكون ذاته عنوان السكن – ويتم إرساله للجهة المختصة والأمر يحتاج لمدة لا تتجاوز الأسبوع في حال وجود جميع المتطلبات.
- الحكومة السويدية لا تفرض أي رسوم على عمل المؤسسات غير الربحية، بل على العكس تمامًا ممكن أن تمول عمل تلك المؤسسات وقد تصل نسبة التمويل في بعض الأنشطة إلى 100%.
- أعضاء البرلمان السويدي، والسياسيون، وأعضاء المجالس البلدية يهتمون بحضور أنشطة جميع المؤسسات العاملة في أمكان تواجدهم، فذلك يضاف إلى رصيدهم الذي يستخدمونه في الانتخابات.
- الجمهور السويدي لا يتحدث اللغة العربية ولا بأي شكل من الأشكال ولا يهتم بالأنشطة العربية باستثناء الفنية منها، وبالتال فإن أي مؤسسة تركز على عملها باللغة العربية تفقد بالضرورة قدرتها على التأثير في المجتمع السويدي، وتصبح أنشطتها متجهة نجو الجاليات العربية التي هي للأسف ضعيفة التأثير في القرار السويدي، بسبب عوامل كثيرة أهمها ضعف إمكانية التواصل باللغة السويدية لدى شريحة واسعة منها.
- حتى اليوم النجاحات الفردية أقوى بعشرات المرات من النجاحات المؤسساتية وهذا أمر غالبًا ما يعطي مؤشرًا سلبيًا على طبيعة العمل الجماعي، فالمفترض أن يكون نجاح المؤسسات مقدمًا عن نجاحات الأفراد، لكن وبسبب العقلية المغلقة التي تدار فيها بعض المؤسسات من جهة، ومحاولة تسجيل إنجازات لبعضها الآخر أمام داعميها من جهة ثانية، جعل معظم الطاقات الفردية تفضل العمل لوحدها، وحقيقة وخلال تواجدي هنا ومشاركتي ببعض الأنشطة واطلاعي على تفاصيل أنشطة أخرى تعرفت على شخصيات يقدر وزنها حقيقة بعشرات من المؤسسات، فبعض الأصدقاء وصل لأن يكون مستشارًا لوزارات مهمة في السويد، والآخر وصل إلى أن يكون مديرًا لمؤسسات هامة، والبعض الآخر أكاديمي في مؤسسات أخرى.
- غياب التخصص الواضح للمؤسسات فمثلًا ممكن أن تُدعى لفعالية حول المأكولات الفلسطينية من قبل مؤسسة حقوقية، أو يمكن أن تدعى لدورة إعلامية من قبل مؤسسة طبية، …إلخ، والمشكلة الأكبر أن عددًا ليس بالقليل من المؤسسات لا تعرف ما هو اختصاصه هل هو حقوقي أو فني أو أدبي أو إعلامي، حتى أن بعض المؤسسات تتبنى جميع تلك الحقول وتتبنى الفشل فيها جميعًا أيضًا.
- حتى الآن معظم المؤسسات العاملة لفلسطين في السويد تخاطب نفسها ولا تخاطب الآخرين، جمهورها ضيق وغالبه من غير المؤثرين في السياسة السويدية، الأنشطة والفعاليات هي هدف بحد ذاته وليست وسيلة لتحقيق إستراتيجية واضحة، فأصبح عمل المؤسسات أشبه بقفزات متتالية في الهواء.
- بعض المؤسسات قامت فقط لكي يحافظ أصحابها على مصالحهم سياسية كانت أم شخصية أو حتى اقتصادية، على سبيل المثال الاستفادة من المساعدات التي تقدمها الحكومة السويدية لبعض المؤسسات، عدم التعرض للملفات الهامة كاستهداف المخيمات الفلسطينية في سورية، وتجنب الحديث عن معاناة اللاجئين، وذلك في حالة من التخاذل الواضح وتقديم المصالح الشخصية والحزبية الضيقة على المصالح الوطنية التي تتغنى معظم المؤسسات بالدفاع عنها.
- عدد سنوات عمل العديد من المؤسسات ما هو إلا تكرار مقيت لنفسها بشكل سنوي، لا شيء يختلف بعملها ولا بأعضائها.
- ومن جانب آخر هناك مؤسسات شابة استطاع أفردها خلال فترات قليلة النجاح في التواصل مع المؤسسات الحكومية السويدية وأفرع المؤسسات الدولية في السويد، والجامعات السويدية، لإيصال صوت شعبنا لمختلف المستويات الحكومية السويدية وفي مختلف الحقول الإعلامية والسياسية والحقوقية والإنسانية.

وقفات مع العمل لفلسطين في السويد

إن أي عمل لفلسطين مهما كان بسيطًا هو عمل محل تقدير واحترام وهو عمل مطلوب لا شك، لكن علينا التركيز على أن نضع العمل في حجمه الحقيقي، فتضخيم الإنجازات الطبيعية سيحول العمل لفلسطين مع مرور الزمن إلى عمل سطحي يقتصر على مخاطبة النفس مع بعض الأنشطة الخجولة التي يتم تضخيمها.

فما نحتاجه اليوم في السويد واعتقد في كل أوروبا هو العمل الجاد والنوعي الذي يرتكز على محورين أساسيين:

الأول: تعزيز البنية المعرفية للجالية خصوصًا فيما يتعلق باللغة المحلية والمهارات الإعلامية والسياسية والحقوقية والعلمية بل حتى الاقتصادية.

والثاني: تعزيز التواصل مع الأحزاب والمؤسسات السويدية، وهنا لا أقصد أن يحضر شخص أو اثنين من هذا الحزب أو ذاك لأنشطتنا، فهو أمر على ما فيه من إيجابية إلا أنه طبيعي جدًا في البلدان الأوروبية فالحياة السياسية في أوروبا مختلفة تمامًا على ما هي عليه في بلداننا العربية، فتأسيس المؤسسات في أوروبا ليست هي الإنجاز فهو أمر بسيط للغاية، إنما الأمر الصعب هو أن يكون عمل تلك المؤسسات وفق إستراتيجية واضحة.

وللأسف كلا المحوريين غائبان بشكل شبه تام عن أجندات عمل عدد ليس بالقليل من المؤسسات العاملة لفلسطين في السويد، وربما يحاول البعض بقصد أو بسذاجة غير مقصودة أن يتستر على تقصيره بأن يصفق لنفسه عاليًا حتى يثير الضجيج الذي لا فائدة منه.

من المعايير المهمة لقياس نجاح المؤسسات

تميّز العمل لفلسطين في أوروبا منذ عقود بمتابعة الاحتلال لأي أنشطة، ولعل ردّات فعل الاحتلال على تلك الأنشطة لهو خير دليل على نجاح أو فشل تلك المؤسسات، فقد وصلت ردة فعل الاحتلال على بعض المؤسسات إلى أن تدفع مئات الآلاف من الدولارات لدى شركات متخصصة في العلاقات العامة لتشويه صور مؤسسة ما، أو لمحاولة تشويه صورة بعض أعضاء تلك المؤسسات وملاحقتهم بشكل دقيق كما هو الحال مع أعضاء حملات المقاطعة على مستوى أوروبا، فكم من الأصدقاء ممن فقدوا أعمالهم ومناصبهم بتحريض من اللوبي الصهيوني في أوروبا.

ومن المعايير الأخرى هو اهتمام الرأي العام المحلي بأنشطة المؤسسات وما يصدر من تصريحات عن أعضائها.

أما عدد الأنشطة، وعدد الحضور، وكثرة الصور، والبهارات، وغيرها من المظاهر فهي إيجابية لكنها ليست ما نحتاجه الآن، إنما نحتاج إلى النشاطات النوعية والتي تشكل اختراقًا للعمل من أجل فلسطين في أوروبا.

ليس انتقادًا أو تبخيسًا!

ما ذكرته سابقًا ليس موجهًا إلى تيار معين أو مؤسسة معينة، وقد لا تجتمع إلا بعض النقاط في هذه المؤسسة أو تلك، وقد تتجمع جميعها في بعضها الآخر، ما أردته من ذكري لتلك التفاصيل، هي أن أوجه دعوة للجميع أن يضعوا الأمور في حجمها الطبيعي، بعيدًا عن المبالغات والتزييف الذي بات ضرره أكثر من نفعه.

فعلينا جميعًا عندما نطلق أي نشاط لفلسطين أن نسأل أنفسنا، ما الذي ستستفيده فلسطين من هذا النشاط؟، هل النشاط ضمن خطة إستراتيجية؟ أم أن النشاط لتلميع الصورة؟، هل حقًا نحن نعمل لفلسطين أم نعمل لأجل أن نحافظ على مصالح معينة؟ هل المؤسسات هدف أم وسيلة؟، هل نحن نخاطب المجتمعات التي نعيش فيها أم نخاطب أنفسنا؟

طبعًا علينا أن نشير أن لدينا في أوروبا مؤسسات عاملة لفلسطين ضربت أروع المثل في العمل المؤسساتي ونجحت بأن تغيظ الاحتلال وأن تنتصر عليه في بعض المعارك الحقوقية، وأن تشكل ضغطًا سياسيًا لا يستهان به ضد الاحتلال، كمؤسسات المقاطعة للاحتلال التي انتشرت في أوروبا، وبعض المؤسسات والمراكز الحقوقية التي نجحت في إحراج وفضح الاحتلال، والأنظمة العربية التي تستهدف الفلسطينيين في مخيماتهم وتقوم بالتضييق عليهم وتحرمهم من حقوقهم.
 

المصدر: ساسة بوست 

مقالات متعلّقة


أضف تعليق

قواعد المشاركة

 

تغريدة "Gaza Writes Back"

  !israel is a piece of shit and they know ittwitter.com/ThisIsGaZa/status/595385208385449985/photo/1 




تغريدة "عاصم النبيه- غزة"

 عندك القسام وبتأيد داعش؟ روح استغفر ربك يا زلمة.. #غزةtwitter.com/AsemAlnabeh/status/595507704338186240
 




تغريدة "أحمد بن راشد بن سعيد"

القاهرة تنتفض ضد قرار تقسيم #فلسطين عام 1947.كان زمان!لكن تظل #فلسطين_قضيتناtwitter.com/LoveLiberty/status/594548013504307200/photo/1




تغريدة "Joe Catron"

 Take a moment to thank "@MsLaurynHill" for cancelling her concert in occupied Palestinetwitter.com/jncatron/status/595337215695192064/photo/1




تغريدة "Dr. Ramy Abdu"

 المغنية الأمريكية المشهورة لورين هيل تلغي حفلها الفني في "إسرائيل" بعد حملة واسعة لنشطاء حركة المقاطعة.twitter.com/RamAbdu/status/595530542910742528




تغريدة "النائب جمال الخضري"

في #غزة يقهرون الإعاقة ويلعبون الكرة الطائرة أطرافهم بترت اثناء الحرب على غزة لا يأس ولكن عزيمة وصمود لهم التحية.twitter.com/jamalkhoudary/status/595520655858147328





 

حسام شاكر

الإبداع في ذروته .. رفعت العرعير مثالاً

أيُّ إبداعٍ يُضاهي أن تُنسَج القصيدة المعبِّرةُ من نزفِ شاعرها أو أن تصير الكلمات المنقوشة بالتضحيات العزيزة محفوظاتٍ مُعولَمة في … تتمة »


    ابراهيم العلي

    في ظلال يوم الأرض الفلسطينون : متجذرون ولانقبل التفريط

    ابراهيم العلي

     يعد انتزاع الاراضي من أصحابها الأصليين الفلسطينيين والإستيلاء عليها أحد أهم مرتكزات المشروع الصهيوني الاحلالي ، فالأيدلوجية الصهي… تتمة »


    لاعب خط الوسط الأردني محمود مرضي يرفع قمصيه كاتباً "هي قضية الشرفاء" ، بعد تسجيل هدف لمنتخبه ضد ماليزيا.
    لاعب خط الوسط الأردني محمود مرضي يرفع قمصيه كاتباً "هي قضية الشرفاء" ، بعد تسجيل هدف لمنتخبه ضد ماليزيا.