الباب والمفتاح و"خان الشاوردا"...

منذ 8 سنوات   شارك:

مروان عبد العال

كاتب وروائي وسياسي فلسطيني

خاص العودة

تصف جدتي الباب المفتوح على مصراعيه بأنه مثل " خان شاوردا ".

الكلمة تتردّد على لِساني كأنها بلا كائن أو أصل مكاني. وصف معتمد لكل حالة تسيُّب وفوضى، تُوسم بحالة "خان شاوردا".

كلمة إستوطنت لغتنا منذ الطفولة، ولم نكن نعرف منبتها الأول، وما هو معناها الأصلي، سوى أنها وصف الباب المخلوع والوطن الذي بلا باب أو بواب يحميه، حتى قرأت مرّة بالصدفة عن قصة هذا الخان، بأنه يقع قرب المدخل الشرقي لسور مدينة عكا، كان مكان واسع في وسطهِ سبيل مياه لسقاية المواشي.

"الشاوردا" هو سبيل سائب لكل عابر سبيل، لا تحتاج لتصريح كي تدخله ولا لِتزوير جواز سفرك، كي تكون ضيفا، ويطيب لك المقام، رشيقة هي الكلمة تتبعها فتصل بها إلى وطن، إلى الباب الأهم من البيت، من لا يملك الباب لا يملك البيت، حين يصادر الباب منك، تصادر حريتك منك، لك البيت ولنا المفتاح، وحين تستأذن النوم في بيتك لا يكون بيتك، هو حقل تجارب في فن تشويه صورة البطل، دخول الباب ليس مثل الخروج منه، كأنه معبر صريح بين الانتماء والضياع.

خان شاوردا، هذا الضياع الذي تتكسر عليه مراياوجوهنا، باب الدّار في المخيم كان مفتوحاً باستمرار، للداخل والخارج، وخاصة عندما تشترك في الدّار عدة بيوتات، باب مفتوح لا أذكر إن كان له قفل؟ أبدًا، لم أجدهُ مغلق بتاتاً، أستغرب لِمَ يُقال عنه أنه "خلقت باب يرد من الكلاب"، يأتي الجواب على عجل "الكلاب أخذوا بيوتنا الأصلية وما نفع المفتاح إن كان لا يوجد باب؟

خان شاوردا... الانتماء المعاكس في المخيم، البيت فيه قد لا يلزمه قفل للباب. لذة الآمر والناهي وصاحب القرار هي سادية المحتل، متعته أن يكون بواباً ووحده يمتلك المفتاح، كي يلقي القبض على همس العصافير ويضع حاجزاً بين قبلة الفراشات وثغر الياسمين.

أخيرًا تذكرت خان شاوردا، حين سمعت بإذن الزيارة الى الوطن.. وصفتها لي زائرة كانت قد شربت من الكأس المر. تصف كيف تجلس شرطية حرس الحدود التي تدل ملامحها أنها ليست من هذا الشرق، ولكنها تتربص بالمارة وخلف الزجاج السميك، تحتل بوابة الوطن المحتجز خلفها. يومها نست كلمات اغنية فيروز وهي فوق جسر خشبي يعبر فوق النهر. ساعات تدقق في أوراق الزائرة الجميلة التي لم يتوقف قلبها عن الضجيج في تلك اللحظة، وسألَتها: ما هو سبب الزيارة الى مدينة رام الله؟

ما كان من الصبية القادمة من المخيم للمرّة الأولى إلا أن تجيب بشكل عادي: أنا ذاهبة إلى وطني نظرت الشرطية الغريبة بلؤم وقالت باشمئزاز يتقصّد الإهانة: هل أنت متأكدة أنه وطنك؟ تتردّد الأقدام في المسير، بينما يبقى هذا العبور يطارد الذكريات المسموحة في القلب والممنوعة خارجه.

خان شاوردا، ما زال يتبعنا كلما ولدت فينا نبضة قلب ورعشة حلم، وشغف السؤال، ذاك الكائن الذي يبقى لاجئا وإن أتعبه السفر، أنا الكائن الشقي الذي لا بد منه، يهزني سؤال الهوية ومعنى الانتماء الحقيقي: ما البيت بلا باب والمكان بلا روح والكلمات بلا معنى وما الوطن بلا بطولة؟ يأتيني صدى الجواب: شتان بين أصالة الانتماء للوطن والتيه الذي يرتفع بحجم خان شاوردا.

مقالات متعلّقة


أضف تعليق

قواعد المشاركة

 

تغريدة "Gaza Writes Back"

  !israel is a piece of shit and they know ittwitter.com/ThisIsGaZa/status/595385208385449985/photo/1 




تغريدة "عاصم النبيه- غزة"

 عندك القسام وبتأيد داعش؟ روح استغفر ربك يا زلمة.. #غزةtwitter.com/AsemAlnabeh/status/595507704338186240
 




تغريدة "أحمد بن راشد بن سعيد"

القاهرة تنتفض ضد قرار تقسيم #فلسطين عام 1947.كان زمان!لكن تظل #فلسطين_قضيتناtwitter.com/LoveLiberty/status/594548013504307200/photo/1




تغريدة "Joe Catron"

 Take a moment to thank "@MsLaurynHill" for cancelling her concert in occupied Palestinetwitter.com/jncatron/status/595337215695192064/photo/1




تغريدة "Dr. Ramy Abdu"

 المغنية الأمريكية المشهورة لورين هيل تلغي حفلها الفني في "إسرائيل" بعد حملة واسعة لنشطاء حركة المقاطعة.twitter.com/RamAbdu/status/595530542910742528




تغريدة "النائب جمال الخضري"

في #غزة يقهرون الإعاقة ويلعبون الكرة الطائرة أطرافهم بترت اثناء الحرب على غزة لا يأس ولكن عزيمة وصمود لهم التحية.twitter.com/jamalkhoudary/status/595520655858147328





 

حسام شاكر

الإبداع في ذروته .. رفعت العرعير مثالاً

أيُّ إبداعٍ يُضاهي أن تُنسَج القصيدة المعبِّرةُ من نزفِ شاعرها أو أن تصير الكلمات المنقوشة بالتضحيات العزيزة محفوظاتٍ مُعولَمة في … تتمة »


    ابراهيم العلي

    في ظلال يوم الأرض الفلسطينون : متجذرون ولانقبل التفريط

    ابراهيم العلي

     يعد انتزاع الاراضي من أصحابها الأصليين الفلسطينيين والإستيلاء عليها أحد أهم مرتكزات المشروع الصهيوني الاحلالي ، فالأيدلوجية الصهي… تتمة »


    لاعب خط الوسط الأردني محمود مرضي يرفع قمصيه كاتباً "هي قضية الشرفاء" ، بعد تسجيل هدف لمنتخبه ضد ماليزيا.
    لاعب خط الوسط الأردني محمود مرضي يرفع قمصيه كاتباً "هي قضية الشرفاء" ، بعد تسجيل هدف لمنتخبه ضد ماليزيا.