غزة.. أزمة كهرباء أم أزمة إدارة وإرادة؟
رضوان الأخرس
كاتب وناشط فلسطيني من غزةفي يونيو من العام 2006 قام الاحتلال بقصف محطة كهرباء غزة، هذا سبب من أسباب المشكلة لكنه ليس الوحيد، فهناك أسباب أصيلة أخرى تعود إلى 15/2/1998م التاريخ الذي تأسست فيه «شركة كهرباء فلسطين» بمساهمة من 7 شركات محلية وعالمية. أزمة الكهرباء التي تدخل عامها التاسع تفاقمت منذ قصف الاحتلال للمحطة حين توقفت يومها 5 شهور متواصلة وتزامن ذلك مع فرض الاحتلال حصارا شاملا على غزة ترك آثارا شديدة الصعوبة على حياة الناس فلم تكن الكهرباء وقتها المشكلة الوحيدة فقد كنا مثلاً نصطف ساعات من أجل الحصول على ربطة خبز واحدة في ظل انقطاع الدقيق والمواد الأساسية لفترات كبيرة في عدوان قاس لا مبرر له.
محطة الكهرباء لم تنتج بأفضل الأحوال سوى 100 ميجاواط بينما احتياج قطاع غزة يتراوح ما بين 380 ميجاواط إلى 440 ميجاواط، ويتم تعويض جزء من العجز عبر استيراد 120 ميجا من الاحتلال و30 ميجا من مصر لكن يبقى العجز قائما بحوالي %40 وهذا في الأوضاع الطبيعية ويؤدي لانقطاع الكهرباء مدة قد تصل لعشر ساعات يومياً أو 12 ساعة.
في الأوضاع الحالية لغزة يستمر انقطاع الكهرباء لأكثر من 18 ساعة مقابل وصل لمدة تتراوح ما بين 4 إلى 6 ساعات وذلك بسبب توقف عمل المحطة حيث ارتفع العجز إلى حوالي %75 ناهيك عن تعطل الكثير من خطوط الكهرباء القادمة من مصر أو الاحتلال من وقت لآخر بشكل عرضي أو متعمد.
خلف التوقف الحالي والمتكرر لعمل المحطة وعجزها عن توفير الاكتفاء في الأوضاع الاعتيادية الأمر الذي يخالف فكرة إنشائها حيث كانت بمثابة أمل نحو الاكتفاء الذاتي المريح والمستقل عن الاحتلال في هذا المجال، لكن الأمر لم يكن كذلك بعد سنوات من توقيع الاتفاق بين السلطة و»شركة كهرباء فلسطين».
عند البحث والتحري عن تفاصيل الاتفاق التي ما زال الغموض يكتنف تفاصيلها نجد شروطا مجحفة بحق السلطة ونستغرب كيف اعتمدت، ومن ذلك أن السلطة مكلفة بالتوزيع وجباية الأموال وتوفير الوقود للمحطة تحت أية ظروف وإصلاح الخطوط وشبكات التوزيع، كذلك فإن السلطة ملتزمة بدفع التزامات مالية سنوية لشركة التوليد مقابل أقصى طاقة إنتاجية مفترضة، سواء عملت الشركة بكامل طاقتها الإنتاجية أم لم تعمل بالإضافة إلى أن الشركة يأتيها من وقت لآخر منح دولية ويتم تعويم الأمر لمصلحة متنفذين وجهات مستفيدة مادياً من هذه الحالة معظمهم متنفذون وبعضهم أصحاب قرار في السلطة، وإن تم حل الإشكال الحالي المتعلق بالضرائب كما تقول سلطة الطاقة بغزة وبآلية تسلم وتسليم أموال الجباية كما تقول سلطة الطاقة برام الله، فإن المشكلة ستبقى قائمة وما سيجري هو تحسن بسيط والحل يكمن بمراجعة الاتفاق والبحث عن بدائل.
بالرغم من السعر المضاعف لثمن الكيلوواط الذي تنتجه شركة الكهرباء مقارنةً بالأسعار العالمية رغم سوء الأوضاع الاقتصادية في قطاع غزة وهو نطاق عمل الشركة حيث لا تعمل بالضفة المحتلة التي تعتمد بشكل أساسي على الكهرباء القادمة من الاحتلال أو من الأردن بشكل أقل، وقد ابتز الاحتلال في الفترة الأخيرة السلطة من هذا الباب وقطع الكهرباء عن مناطق في الضفة لفترات أثناء مساعي السلطة للانضمام إلى محكمة الجنايات الدولية، فالاحتلال يستعمل هذه الأدوات بشكل متعمد من أجل دفع الفلسطينيين للتراجع عن حقوقهم السياسية والقانونية والتاريخية مقابل الحصول على الحق في حياة كريمة.
الاحتلال سبب أساس في استمرار الأزمة لأنه يستطيع رفع الحصار والقيود التي تمنع وصول محطة الكهرباء التركية العائمة مثلاً، أو يسمح بتزويد قطاع غزة بكميات أكبر من الكهرباء، لكن في ظل غياب إرادة عربية ضاغطة على الاحتلال أو معنية بإيجاد حل للأزمة والحصار وانهماك الأطراف الفلسطينية في التجاذبات الداخلية في ظل عدم التوافق على آلية واضحة تسير العمل في هذا الملف الحيوي يضيع الحل ويدفع ضريبة ذلك كله الإنسان الفلسطيني وتبقى الشركة تتنعم بالأرباح هي والمستفيدين رغم كل الظروف وهذا يحتاج لمراجعة نص الاتفاق أو تأميم الشركة أو التفكير في بدائل أخرى تلغي عمل الشركة ومحطتها.
أضف تعليق
قواعد المشاركة