القبيحون والأذان: «عرب إسرائيل» و«الخيمة البيضاء»

منذ 7 سنوات   شارك:

بقلم د. فايز رشيد- القدس العربي 

الاحتلال الأقبح في التاريخ يمنع الأذان عبر مكبرات الصوت، إنها آخر تقليعة صهيونية، باختصار نقول لهم: إنصرفوا من أرضنا حتى لا تسمعوا شعائرنا الدينية، عودوا من حيث جئتم، ترتاحون ونرتاح منكم.

لعل معظم الفلسطينيين، بحكم ظروفهم واحتلال أرضهم واغتصاب وطنهم وإرادتهم، قرأوا كل الاحتلالات على مدى التاريخ وما قبله. قرأنا عن التتار، عن النازية والفاشية، عن كل الديكتاتوريين، كل احتلال بشع مجرم وفاشي. لكن الاحتلال الصهيوني هو الأكثر بشاعة بين كل الاحتلالات، قديمها وحديثها.

إنه اغتصاب للأرض واقتلاع لأهلها، إنه تزاوج للفاشية مع أعظم أشكال السادية. إنه التفنن والتجدد في اختراع الوسائل الجديدة صباح كل يوم، لتعذيب الفلسطينيين. إنه نفي وإنكار للآخر. هذا أبسط وصف لما يمكن أن يتحدث به أو يكتب عنه أي فلسطيني عن الاحتلال الصهيوني لكامل الأرض الفلسطينية.

أن يكون نظام بلد ما فاشيا في سلطته ونهجه وممارسته واعتداءاته المستمرة على الآخرين في محيطه فحتما إنه يحفر قبره بيديه، فكيف بفاشية بنت دولتها على أرض اغتصبتها عنوة، وبالتعاون مع الدول الاستعمارية، لتكون رأس جسر لها في منطقة غريبة عن الطرفين؟ كيف بنظام فاشي يقوم باقتلاع سكان البلد الأصليين وتهجيرهم، واستقدام مهاجريه من شتى آنحاء العالم ليكونوا سكان البلد المحتل، الذي يدّعون الحق فيه زورا وبهتانا؟ كيف بنظام يمارس العنصرية البغيضة في سياساته تجاه كل الآخرين؟

تاريخ الكيان الصهيوني سلسلة متواصلة من الحروب والاعتداءات على الفلسطينيين وعلى الأمة العربية، منذ إنشاء دولته وحتى هذه اللحظة. العدوانية هي إحدى متلازمات وجود إسرائيل وسماتها، كل الذي تغير، هو تطور أدوات ووسائل القتل والتدمير الصهيوني، وتطور أساليبه الفاشية. الإحصائيات المتعددة التي تجري في الكيان تبين أن التطور الأبرز هو، أن الشارع الإسرائيلي يتجه نحو المزيد من اليمين والتطرف. من زاوية ثانية، أدركت شعوب العالم في تجربتها المرة مع النازية والفاشية في الحرب العالمية الثانية، أن لا تعامل مع الظاهرتين. إسرائيل ليست استثناء من القاعدة التي هي بمثابة القانون.

قد تمتلك إسرائيل (من وجهة نظرها بالطبع) من عناصر القوة، ما لا يؤهل الفلسطينيين والعرب جميعاً للحديث، حتى عن إمكانية إجبارها على الخروج من المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1967، فهي مزنّرة بالسلاح النووي وبأحدث ما تنتجه مصانعها ومصانع حليفتها الاستراتيجية، الولايات المتحدة وعموم الدول الغربية، من أسلحة. بالمقابل، هناك المؤمنون بحتمية إجبارها على الخروج من أرضنا المحتلة، لأسباب كثيرة، دينية وقومية، وطنية ويسارية أيضاً، ومن هؤلاء، المتابعون للداخل الإسرائيلي بكل تفاصيله، ونتيجة معرفتهم الدقيقة بالتفاصيل يرون استحالة جنوح هذه الدولة للسلام، فالعدوان هو ما تتقنه، وتمارسه واقعا على الأرض. إنها ترفض كافة الحلول التي جرى تقديمها إليها. إسرائيل تطمح إلى بناء دولتها اليهودية، والصهيونية ستظل صهيونية، والعقيدة التوارتية – التلمودية المحرفّة هي الخلفية التي أسست وما تزال للعنصرية، وللعدوان ولارتكاب المجازر وللاستعلاء، وإبقاء حالة الحرب مفتوحة على الفلسطينيين والعرب والمسلمين والمسيحيين.

وبالنسبة لدروس الغزو والاحتلال في التاريخ إجمالا، وغزو فلسطين واحتلالها بشكل خاص، يمكن القول، اعتماداً على التاريخ ذاته، إن كل الغزاة المتعددين لأرضنا الفلسطينية وللأرض العربية بشكل عام، من الذين تناوبوا على احتلالها، كلهم ذهبوا، أخرجوا من ديارنا غِلابا، اضطّرواُ لحمل عصيّهم على كواهلهم ورحلوا. ومثلما كان زوال كل أولئك الغزاة حتمياً، فلن يكون المشروع الاستعماري الصهيوني أفضل حالاً. صحيح أن هناك فروقات كبيرة بين المشروع الصهيوني، وتلك المشاريع، ولكن عندما تنضج الظروف المواتية سيتم ترحيل الاستعمار الصهيوني عن أرضنا، عن كواهلنا، شاء القائمون على أقبح استعمار في التاريخ أم أبوا. شعبنا يمتلك الإيمان بحتمية عودة الأرض إلى أصحابها الشرعيين. واهم كل من يعتقد أن الفلسطيني ينسى أو سينسى أرضه. أكثر وهما من الأول، كل من يعتقد أن جيلا فلسطينيا قادما (ربما حتى بعد عقود كثيرة) سينسى هويته الوطنية الفلسطينية العربية الأصيلة، الكنعانية واليبوسية الجذور. ألا تعتقدون أن الصهاينة هم الأكثر وهما بين البشر؟ وإلا لما قالت غولدا مائير جملتها الشهيرة: الكبار يموتون والصغار ينسون، وإلا لما تمنى رابين بأن يصحو يوما، ويكون البحر قد ابتلع غزة.

من جهة ثانية، إلى جانب الحروب التي تشنها إسرائيل على شعبنا وأمتنا، وإلى جانب جرائمها العدوانية اليومية على أهلنا في فلسطين المحتلة، فإنها تخوض حرب مصطلحات خفية، تحاول تعميمها في توصيف الصراع الدائر معها. لقد سبق لكاتب هذه السطور، أن نشر مقالة على صفحات العزيزة «القدس العربي»، تتحدث عن أهمية دقة استعمال المصطلحات في توصيف مجابهتنا للمشروع الصهيوني. ما أضيفه، هو ما تطلقه وسائل وأجهزة الإعلام الصهيونية، منذ إنشاء دولة الكيان حتى الآن على أهلنا في فلسطين المحتلة عام 1948 بـ»عرب إسرائيل»، أو «الوسط العربي» أو «عرب المناطق». الوصف مقصود تماما. الأغرب، أن معظم الأجهزة الإعلامية العربية تردد الوصف الأول، دون تمحيص فيه الوصف يعني: محاولة نزع الهوية الوطنية الفلسطينية عن شعبنا في فلسطين المحتلة عام 1948، ونزع عمقهم التاريخي وارتباطهم الأزلي بوطنهم الفلسطيني، ونزع ثقافتهم وحضارتهم العربية الكنعانية. محاولة تعميم اعتبارهم أقلية طارئة. محاولة إلصاق التواجد التاريخي لدولة اليهود في فلسطين، التي يعتقدون واهمين بالأساطير المضللة أن من «حق اليهود العودة إليها، باعتبارها الوطن التاريخي لهم». إضفاء الشرعية على إنشاء دولتهم الإسرائيلية الصهيونية. التمهيد لاعتبار إسرائيل «دولة يهودية». إضفاء الشرعية على إمكانية طرد الفلسطيني من وطنه مستقبلا. تماما مثلما يسمون الضفة الغربية بـ»يهودا والسامرة». أخشى أن يأتي يوم، تبدأ فيه بعض أجهزة الإعلام العربية في إطلاق الوصف نفسه على جزء من أرضنا الفلسطينية المحتلة عام1967. فهل يجوز للإعلام العربي ترديد هذا المفهوم؟ بالله عليكم، أفيدوني.

على صعيد آخر، «الخيمة البيضاء» هي رواية للكاتبة الفلسطينية ليانة بدر. تتطرق الرواية إلى واقع الحال اجتماعيا، اقتصاديا وسياسيا لأهلنا في الضفة الغربية بعد اتفاقيات أوسلو، وتشكيل السلطة الفلسطينية. لعل العنوان «الخيمة البيضاء» تعبر عن واقع الحال الراهن هذه المرة، فالخيمة الكاكية هي متلازمة الفلسطيني منذ النكبة وحتى الآن، لكن هذه المرة جاء لونها أبيض، لأنها توائم الانكسارات التي أصيب بها العائدون إلى وطنهم، بانتظار تشكيل الدولة المستقلة، التي يرفضها العدو الصهيوني. العائدون في معظمهم مقاتلون انتموا للثورة من أجل تحرير الوطن. ترصد الروائية الإشكالات التي ظهرت بين من أطلق عليهم «العائدون» وأهلنا الذين بقوا تحت الاحتلال. تتطرق الرواية إلى الواقع الطبقي الناشئ حديثا في الضفة الغربية، محاولة وضع المسافة اللازمة بين المستفيدين من الثورة، الذين أُثروا منها، وبين المعظم الذي يعاني العوز. تتضمن الرواية جزءا من العادات الاجتماعية الثأرية والانتقامية، كحالة إسقاط لإحساسات داخلية، هي من نوع مختلف، الكره مثلا! وانعكاس ذلك وتداعياته على الواقع المحلي. لعل من أدق ما تتطرق إليه الرواية، في سرد روائي وقالب فني جميل، حريص على حرفية الأسلوب وإبداع النص لغويا: العذابات اليومية لشعبنا على أيدي قوات الاحتلال من قتل وأساليب فاشية، تنكيل سادي وانتظارات يومية طويلة على الحواجز، خاصة حاجز قلنديا، الذي حرص الكيان على جعله وكأنه معبر دولي، كما جسر اللنبي، «اللنبي جسر على الرغم من أنه حاجز للتفتيش أيضا. ولكل حاجز طقوسه ومضايقاته ومآسيه». «وماذا نفعل إن كان الاحتلال سيظل مغلقا الأسوار علينا».

«هم يلقوننا دروسا، أهمها أنه ليست لنا حقوق في أي شيء، وأن كل ما نناله إنما هو عن طريق الرحمة والإحسان منهم». «الخيمة البيضاء» رواية قد تكون قاسية في طرحها للواقع، لكنها تضعنا أمام الحقيقة والانكسارات المرّة، بانتظار الفرح الدائم. إنها رواية فلسطينية عربية مؤثرة، أحسنت الكاتبة توظيفها في خدمية قضية شعبها الفلسطيني، الذي لا بد منتصر.

مقالات متعلّقة

تغريدة "Gaza Writes Back"

  !israel is a piece of shit and they know ittwitter.com/ThisIsGaZa/status/595385208385449985/photo/1 




تغريدة "عاصم النبيه- غزة"

 عندك القسام وبتأيد داعش؟ روح استغفر ربك يا زلمة.. #غزةtwitter.com/AsemAlnabeh/status/595507704338186240
 




تغريدة "أحمد بن راشد بن سعيد"

القاهرة تنتفض ضد قرار تقسيم #فلسطين عام 1947.كان زمان!لكن تظل #فلسطين_قضيتناtwitter.com/LoveLiberty/status/594548013504307200/photo/1




تغريدة "Joe Catron"

 Take a moment to thank "@MsLaurynHill" for cancelling her concert in occupied Palestinetwitter.com/jncatron/status/595337215695192064/photo/1




تغريدة "Dr. Ramy Abdu"

 المغنية الأمريكية المشهورة لورين هيل تلغي حفلها الفني في "إسرائيل" بعد حملة واسعة لنشطاء حركة المقاطعة.twitter.com/RamAbdu/status/595530542910742528




تغريدة "النائب جمال الخضري"

في #غزة يقهرون الإعاقة ويلعبون الكرة الطائرة أطرافهم بترت اثناء الحرب على غزة لا يأس ولكن عزيمة وصمود لهم التحية.twitter.com/jamalkhoudary/status/595520655858147328





 

حسام شاكر

الإبداع في ذروته .. رفعت العرعير مثالاً

أيُّ إبداعٍ يُضاهي أن تُنسَج القصيدة المعبِّرةُ من نزفِ شاعرها أو أن تصير الكلمات المنقوشة بالتضحيات العزيزة محفوظاتٍ مُعولَمة في … تتمة »


    ابراهيم العلي

    في ظلال يوم الأرض الفلسطينون : متجذرون ولانقبل التفريط

    ابراهيم العلي

     يعد انتزاع الاراضي من أصحابها الأصليين الفلسطينيين والإستيلاء عليها أحد أهم مرتكزات المشروع الصهيوني الاحلالي ، فالأيدلوجية الصهي… تتمة »


    لاعب خط الوسط الأردني محمود مرضي يرفع قمصيه كاتباً "هي قضية الشرفاء" ، بعد تسجيل هدف لمنتخبه ضد ماليزيا.
    لاعب خط الوسط الأردني محمود مرضي يرفع قمصيه كاتباً "هي قضية الشرفاء" ، بعد تسجيل هدف لمنتخبه ضد ماليزيا.