العرب وفلسطين: إلى "الأمن مقابل الأمل"

منذ 8 سنوات   شارك:

حسن شاهين

كاتب وصحفي فلسطيني

منذ بداياتها الأولى، كانت قضية فلسطين عربية بامتياز، بحكم ما مثله المشروع الصهيوني من خطرٍ على الأمة العربية، وإمكانية تحقيق الوحدة السياسية لأقطارها، ثم تضامناً مع الشعب العربي في فلسطين الذي وجد نفسه في عين العاصفة. فبعد جلاء الاستعمار عن عدد من الدول العربية، كان حلم الوحدة العربية حيّاً، ويبدو واقعياً ووشيكاً. لذا، كان التنبه الشعبي العربي عالياً تجاه ما يُحيق بفلسطين، على الرغم من أنها لم تكن الأرض العربية الوحيدة المحتلة، والتي كانت تواجه خطر السلخ عن جسد الأمة. وأدركت الشعوب العربية، بوعيها العفوي، خطورة إنشاء كيان غريب على أرض فلسطين، مسترجعةً من ذاكرة التاريخ دور تفتيت الأمة الذي لعبته الممالك الصليبية التي زرعت في تلك البقعة الجغرافية بالذات قبل قرون.

وعلى قدر أهمية قضية فلسطين، وحضورها في وعي الجماهير العربية ووجدانها، جاء خذلان النظام الرسمي العربي الذي لم يكن جاداً في أي يوم بالالتزام بتحرير فلسطين، أو دعم صمود شعبها على أرضه ومقاومة الغزوة الصهيونية، فالأنظمة العربية الحاكمة منذ الاستقلال وحتى هذا التاريخ ولمستقبل غير معلوم، ارتكزت شرعيتها في المقام الأول على الاعتراف الدولي بها، خصوصاً الغربي، وبالتالي، من غير المسموح لها، ولا هي راغبة، بأن تواجه المشروع الصهيوني في فلسطين بشكل جدي، سواء بالعمل العسكري المباشر أو الدعم الجاد والنوعي لمقاومة الشعب الفلسطيني.

وحده الانتماء الشعبي العربي الصادق لقضية فلسطين هو الذي منع، أو أجّل، تخلي الأنظمة العربية تماماً عن فلسطين وشعبها، والاعتراف بدولة الكيان وتطبيع العلاقات معها طوال كل تلك السنين. فقد ذهب الرسميّون العرب إلى حرب فلسطين، 1947-1948، رفعاً لعتب الشعوب لا أكثر، وإلا كيف يمكن أن نفسّر قلة عدد "الجيوش" العربية المشاركة في الحرب (نحو 55 ألف جندي عربي مقابل نحو من 107 آلاف من عصابات الهاغاناه)، وتواضُع تسليحها الفاضح، وتسليم رئاسة أركان القوات العربية المشتركة لضابط بريطاني، هو الفريق جون باغوت غلوب (غلوب باشا)، بينما تولى القيادة الميدانية ضابط بريطاني آخر، هو العميد نورمان لاش؟

وكيف يمكن فهم مسارعة الحكومة المصرية في العهد الملكي إلى طرح مشروع توطين اللاجئين الفلسطينيين وإسكانهم في سيناء، عام 1949، أي بعد الهزيمة مباشرة، والذي طرح مجدداً عام 1953، وأصبح دولياً بعد أن تبنته الأمم المتحدة، وحظي بدعم الدول العربية التي استعدت لتمويله؟ ولم يسقط المشروع إلا بعد أن خرج اللاجئون في قطاع غزة بمظاهراتٍ عارمة جابت شوارع القطاع، معلنين فيها رفضهم استبدال خيامهم البائسة، التي كانوا يقطنونها، بمساكن جديدة في سيناء، ورفعوا شعار: لا توطين ولا إسكان يا عملاء الأمريكان!. والحق يقال، كان لنجاح ثورة يوليو 1952 في مصر أثراً كبيراً في إسقاط المشروع.

واستمر مسلسل خذلان النظام الرسمي العربي لفلسطين، وكان من أبرز حلقاته وأد تجربة العمل الفدائي، انطلاقاً من شرق الأردن، والتي شكلت التهديد الجدّي الوحيد لوجود إسرائيل منذ تأسيسها. ثم الدفع نحو حربٍ أهليةٍ في لبنان، وتسعيرها لضرب المقاومة الفلسطينية الموجودة على أرضه، والتي تُركت مع المقاومة الوطنية اللبنانية لتواجها بمفردهما اجتياح الجيش الإسرائيلي وحصاره بيروت، عام 1982.

وقبل ذلك بعام، جاءت مبادرة الأمير فهد في مؤتمر القمة العربية، عام 1981، والتي تضمنت أول مرة؛ اعترافاً عربياً، وإن بشكل غير مباشر، بوجود إسرائيل. وحده ياسر عرفات من بين قادة منظمة التحرير الفلسطينية وافق على المبادرة. وذلك بعد عامين من استدارة نظام أنور السادات، وذهابه إلى صلح منفرد مع إسرائيل، على حساب الحقوق العربية والمصرية.

وتواصل الهبوط العربي في مؤتمر مدريد للسلام في 1991، والذي كرّس مبدأ: فلسطين قضية الفلسطينيين، لا العرب، عبر فصله مسارات التفاوض. ثم تشجيع قيادة منظمة التحرير المتنفذة، وهي جزء من النظام الرسمي العربي ونتاج له، في الوقت نفسه؛ على المضي في مسار أوسلو الكارثي. وحين انهار ذلك المسار كان الرد العربي بتقديم تنازلاتٍ جديدة، عبر طرح "مبادرة السلام العربية، 2001، وهي مباردة الأمير فهد القديمة مع تعديلاتٍ طفيفة، أهمها إضافة بندٍ يفتح الباب للتفريط بحق العودة بجعله خاضعاً للتفاوض. وعلى كل حال، لم تُعِر إسرائيل المبادرة أي اهتمام، ولم تُقِم لها، ولا لمن طرحها، وزناً يذكر حتى يومنا هذا. واليوم، تتواتر أنباء عن استعداد رسمي عربي لتعديل المبادرة العربية، وإسقاط حق عودة اللاجئين منها، حتى بصيغته التفريطية الموجودة، وفوق ذلك حذف البند الذي يجعل من عودة الجولان المحتل من شروط تطبيع العلاقات. 

أصبحت إسرائيل مطلوبة اليوم من النظام الرسمي العربي الذي بات يسعى إلى تطبيع العلاقات معها بأي ثمن، وهي من تتمنع. فالأنظمة العربية التي أرعبها تحرك الشعوب العربية، مطلع العقد الحالي، وبدرجةٍ ثانية الانسحاب الأميركي التدريجي من المنطقة؛ باتت ترى في إسرائيل والتحالف معها ضماناً في وجه شعوبها، ومدخلاً لتجديد شرعيتها لدى الغرب والولايات المتحدة. وأيضاً لمواجهة التوسعية الإيرانية التي ما كان لها أن تكون، لا هي ولا أي مشاريع توسعية أخرى في المنطقة؛ لو وجِد مشروع عربي حقيقي يعكس طموحات الشعوب العربية بالتكامل والوحدة والديموقراطية شرطاً للتقدم الحضاري والاجتماعي.

وعلى كل حال، عملت آلة الدعاية للأنظمة العربية على المبالغة في تقدير خطر التوسعية الإيرانية، مع تأجيج المشاعر الطائفية لدى الجماهير العربية، لإيجاد وعي شعبي عربي زائف، يرى في إيران، وما يعرف بـ"الخطر الشيعي"، التهديد الأول للدول العربية، وبالتالي، تسهيل تمرير التطبيع، ومن ثم التحالف مع إسرائيل لمواجهة ذلك التهديد.

وقد عبّر الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، بكل وضوح، عن الاندفاع الرسمي العربي للتطبيع مع إسرائيل بعد الثورات العربية، وذلك في خطابه الشهير الموجّه إلى المجتمع الإسرائيلي وقيادته، وطرح فيه معادلة جديدة لـ"السلام"، وهي: الأمن لإسرائيل مقابل الأمل للفلسطينيين. وعلى الرغم من أن هذه العبارة وردت بشكلٍ بدا عفوياً في خطابٍ مرتجل، إلا أنها ربما كانت أصدق توصيفٍ لكل مسيرة ما يعرف بـ"عملية السلام".

فهذه العملية، منذ انطلاقتها، تلخصت بتوفير الأمن لإسرائيل، عبر تحويل من يفترض به أن يقاوم الاحتلال إلى حارسٍ له، مقابل تقديم أمل كاذب للشعب الفلسطيني. وفي هذا السياق، يمكن فهم فضيحة تصويت أربع دول عربية لصالح ترؤُّس إسرائيل اللجنة القانونية في الأمم المتحدة، وهي المرة الأولى التي تترأس فيها إحدى اللجان الست الدائمة للمنظمة الدولية منذ تأسيسها.

النظام الرسمي العربي، بمن فيه القيادة الفلسطينية المتنفذة، يرى أن الفرصة مؤاتية الآن في ظل حالة السيولة والارتباك التي تعيشها الأمة والشعوب العربية، للتخلص، وإلى الأبد، من القضية الفلسطينية، التي طالما تعامل معها على أنها عبء، والاندفاع، في الوقت نفسه، لتطبيع العلاقات مع إسرائيل. وتشير قراءة إشارات التقارب الرسمي العربي/ الإسرائيلي، بوضوح، إلى أن العملية السياسية المقبلة ستكون هذه حدودها: عودة المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية مع تقديم وعودٍ وهميةٍ بأنها ستتمخض عن دولةٍ فلسطينية في نهاية المطاف، في مقابل تطبيع عربي كامل مع إسرائيل، وستلعب القيادة الفلسطينية دور المُحلِّل، في مقابل ثمن مالي وامتيازاتٍ كما جرت الأمور في المحطات السابقة.

 

المصدر: العربي الجديد 

مقالات متعلّقة

تغريدة "Gaza Writes Back"

  !israel is a piece of shit and they know ittwitter.com/ThisIsGaZa/status/595385208385449985/photo/1 




تغريدة "عاصم النبيه- غزة"

 عندك القسام وبتأيد داعش؟ روح استغفر ربك يا زلمة.. #غزةtwitter.com/AsemAlnabeh/status/595507704338186240
 




تغريدة "أحمد بن راشد بن سعيد"

القاهرة تنتفض ضد قرار تقسيم #فلسطين عام 1947.كان زمان!لكن تظل #فلسطين_قضيتناtwitter.com/LoveLiberty/status/594548013504307200/photo/1




تغريدة "Joe Catron"

 Take a moment to thank "@MsLaurynHill" for cancelling her concert in occupied Palestinetwitter.com/jncatron/status/595337215695192064/photo/1




تغريدة "Dr. Ramy Abdu"

 المغنية الأمريكية المشهورة لورين هيل تلغي حفلها الفني في "إسرائيل" بعد حملة واسعة لنشطاء حركة المقاطعة.twitter.com/RamAbdu/status/595530542910742528




تغريدة "النائب جمال الخضري"

في #غزة يقهرون الإعاقة ويلعبون الكرة الطائرة أطرافهم بترت اثناء الحرب على غزة لا يأس ولكن عزيمة وصمود لهم التحية.twitter.com/jamalkhoudary/status/595520655858147328





 

حسام شاكر

الإبداع في ذروته .. رفعت العرعير مثالاً

أيُّ إبداعٍ يُضاهي أن تُنسَج القصيدة المعبِّرةُ من نزفِ شاعرها أو أن تصير الكلمات المنقوشة بالتضحيات العزيزة محفوظاتٍ مُعولَمة في … تتمة »


    ابراهيم العلي

    في ظلال يوم الأرض الفلسطينون : متجذرون ولانقبل التفريط

    ابراهيم العلي

     يعد انتزاع الاراضي من أصحابها الأصليين الفلسطينيين والإستيلاء عليها أحد أهم مرتكزات المشروع الصهيوني الاحلالي ، فالأيدلوجية الصهي… تتمة »


    لاعب خط الوسط الأردني محمود مرضي يرفع قمصيه كاتباً "هي قضية الشرفاء" ، بعد تسجيل هدف لمنتخبه ضد ماليزيا.
    لاعب خط الوسط الأردني محمود مرضي يرفع قمصيه كاتباً "هي قضية الشرفاء" ، بعد تسجيل هدف لمنتخبه ضد ماليزيا.