«محمد جاسر» حرفيّ فلسطينيّ يجتاز إعاقته ويبدع في تجسيد شغفه للبحر
تقرير هبة الجنداوي/ صيدا/ لبنان
خاص شبكة العودة الإخبارية
في داخل أزقة مدينة صيدا القديمة يجلس الحرفيّ الفلسطينيّ محمد جاسر في محلّه الصّغير، وأمامه كومةٌ من الخشب يستخدمها لتشكيل مجسمٍ لسفينةٍ أو شمعدانٍ أو قاربٍ صغير يعكس تعلّقه بالبحر وزرقته وجماله، ذلك الجمال الذي يربطه بمدينته الأم حيفا، التي هُجّر منها والده وجده عام النكبة الكبرى.
تتعمّق في تفاصيل وجه ذلك الرجل الخمسينيّ فترى نافذةً تطلّ منها على حياةٍ ملؤها الأمل، حيث أنّه رغم إصابته وفقدانه النظر في عينه اليسرى وضعف الرؤية في الأخرى بشكل جزئيّ، إلّا أنه رغم ذلك لم يترك المهنة التي ترعرع وكبر فيها منذ طفولته. إذ يقول محمد لشبكتنا « أهلي كانوا جميعهم بحّارين في حيفا، وبقوا كذلك بعد أن هُجّروا إلى صيدا. وأنا تعلّقت بالبحر وبحرفتي منذ طفولتي، وقررتُ أن أصنع من الخشب كل ما يتعلّق بالبحر من قوارب وشمعدانات، وأشرعة... وكل ما يتعلّق بالخشب لا أعجز عن صنعه أبداً».
محمد لم يستسلم لإعاقته التي أهدته إياها الحياة منذ نحو 10 سنوات، بل تغلّب على كلّ المعوّقات التي وقفت في وجهه، وتابع العمل في حرفته التي يعشق. فقد صنع مؤخّراً مجسّماً لسفينةٍ من الخشب مزوّدة بالإضاءة عبّر فيها عن شغفه الكبير بالبحر، وفي ذلك يقول محمد «صنعتُ المركب حتى أجتاز إعاقتي النظرية، وقد استغرق مني إعداده نحو 4 شهور. وكان هدفي أيضاً من ذلك أن يبقى المركب ذكرى في تراثنا الفلسطينيّ الذي أفتخر به وأنتمي إليه».
ويعاود الحديث قائلاً «كنت أكتب على المراكب من بعد أن أنتهي من صنعها أسماء بعض المدن الفلسطينية، حتى تبقى مدننا الفلسطينية خالدةً في ذاكرتنا».
صحيحٌ أنّ محمد لا يعيش في أيٍّ من المخيمات الفلسطينية في مدينة صيدا، إلّا أنّ وضعه المعيشي وأوضاع المئات من العائلات الفلسطينية التي تسكن في زواريب صيدا القديمة لا تختلف عن أوضاع الفلسطينيّين في المخيمات، حيث يخيّم عليها العوز والفقر. إذ لكلّ عائلةٍ من العائلات الفلسطينية هناك حكايةً ووجع مع المعاناة التي يعيشون فيها.
يحكي الحرفيّ الموهوب محمد مستبدلاً غصّاته بضحكاتٍ ساخرة بعضها على واقعه هو حيث ما من مشجّعٍ ماديّ لتطوير موهبته وقدراته، وبعضها الآخر على واقع اللاّجئ الفلسطينيّ المهمّش في صيدا القديمة حيث يغيب عمل المنظّمات الفلسطينيّة هناك، والأونروا بدورها تتجاهل الكثير من العائلات الفلسطينية الفقيرة التي تحتاج لضمها إلى «برنامج الشؤون الاجتماعية لحالات العسر الشديد».
ومن المنطقيّ أن يشكو محمد من هذا الأمر إذ يقول «قدّمت للأونروا لضمي إلى البرنامج أكثر من مرّة إلّا أنهم لم يستجيبوا لطلبي، بل قالوا لي أنني أملك محلاً يعينني في مصروف العائلة، علماً أنّ المحل بالإيجار وهو لا يُدخل علينا ما يكفي لإعالة أبنائي. وهل المطلوب منّي أن أوقف عملي وأترك منزلي كي أستطيع الحصول على تأمين لقمة العيش لأولادي!».
محمد جاسر بكل ما يعانيه من الإعاقة، والفقر والحياة المستنزفة، يبقى حرفياً مبدعاً يهرب من الواقع الذي يعايشه آلاف الفلسطينيين في لبنان، ويتمرّد عليه مستمداً قوته من حرفته.. من بحر صيدا.. من المدينة القديمة التي تحمل الطابع والرائحة المميزة للساحل الفلسطينيّ الممتد من عكا إلى حيفا.