«الحلقة الرابعة» من سلسلة يوميات لاجئ
بقلم الكاتبة ياسمينا- خاص العودة
كانت أمّ عليّ قد وصلت المنزل في تمام الساعة الواحدة وكانت قد مرّت على العم أبو وسيم وسدّدت له جزءًا من الدين المتراكم عليهم، وابتاعت في نفس الوقت بعض اللبنة والجبن وثلاث بيضات وربطة خبز..
جهّزت الطعام بسرعة لتكسر جوع ياسر وجوعها، فهي منذ الصباح لم يتسنَّ لها سوى شرب كوب من الماء وفنجان قهوة في مكان عملها، كانت قد أعدته لسيدة المنزل الذي عملت فيه اليوم.
شعر عليّ ببعض التحسن وهو يحدّق في النافذة وينظر إلى ألوان قوس قزح المفرحة، وخطر بباله أن يزور أحد زملائه في المدرسة كما أوصاه المرشد المدرسيّ في حال غيابه ليتابع ما فاته من دروس.
لكنه شعر برغبةٍ جامحة لفعل شيءٍ يعوّض عن خذلانه لوالده. وفكّر كثيرًا محدثًا نفسه "لو أنني أحاول دراسة ما فاتني اليوم ليصلني إطراءًا واحدًا من المعلم، وليسمعه أبي بنفسه صباحًا حين يلتقي بمعلمي في الطريق وهو يتّجه خارج المخيم.. وسيكون سعيدًا وقتها!
هرول بسرعه نحو باب منزل أحمد ولكنّه سمع صوت بكاءٍ مدوٍّ يصدح في أرجاء "الزاروبة"، تساءل عليّ ترى ما القصة؟ ما الذي يحدث؟
تقدم باتجاه تلك الأصوات، وكلّما اقترب كلما اتضحت الصورة أكثر وغرقت مخيلته متذكرًا وسيم ويده الحنونة التي لطالما ربتت على كتفه، تذكره بأنه سيأتي يوم وتتحسن فيه الظروف، يقول له "فقط أنظر نحو السماء، انظر إلى الأعلى دائما يا علي! سيأتي ذلك اليوم ولو تأخر قليلاً".
كانت تلك الكلمات من أجمل ما سمعه عليّ وهو يودّع وسيم ذلك المساء الصافي من أيّ غيمٍ أو كدر! وها هو الآن يقف أمام باب منزلهم يحدّق في دموع تلك المرأة العجوز عاجزٌ حتى عن التنفس.. يا إلهي هل حقًا ذهب وسيم إلى غير رجعة؟ هل حقًا لن يعود؟ هل اختطفه الموت بهذه السرعة؟ هل حقا ذلك الشجاع مات غرقًا؟ ألم يستطع المقاومة؟
أخذ عليّ يركض ولكن هذه المرة ليس نحو منزل جدته أو خارج المخيم نحو الحاويات الكبيرة المنتشرة في الضواحي والطرقات، بل وجد نفسه يقف أمام منزل أحمد زميله في المدرسه رغم أنه لا يتحدث معه كثيرًا، فهو ابن شخص مرموق في المخيم، وعليّ ابن ذلك الأب الذي يعمل بين النفايات ليحصل قوته اليومي!
سأل عليّ نفسه لم أنا أقف هنا بالذات؟ حدّق مليًّا في باب المنزل الحديديّ ولم يشعر إلاّ وهو يقترب من المدخل أكثر وأكثر ويصرخ بأعلى صوته في الحرّاس أريد أن أقابل مسوؤلكم.. أريد مقابلته الآن ولن أخرج من هنا!
#يوميات_لاجئ منكم ولكم.. تابعونا
(يتبع)
لقراءة الحلقة السابقة: