فلاح فلسطيني يدير «قهوة لكل الأمم»... ويموت

منذ 9 سنوات   شارك:

 تبني المخرجة الفلسطينية وفاء جميل فيلمها الوثائقي «قهوة لكل الأمم» على اتكاءات متعددة بصرياً وسمعياً، تتكامل في ما بينها، لتؤثث فيلماً وثائقياً فلسطينياً بديعاً، إذ نجد على المستوى البصري اعتماد تيمة إعداد القهوة، وحرق السجائر، في شكل مستمر، بما يتوافق مع الصور النمطية (وربما الواقعية) للفلسطيني، بينما يتردّد على المستوى السمعي صوت الجرافة (البلدوزر) الإسرائيلية، التي قلّ أن نراها مباشرة، ولكننا ندرك حضورها المدمّر على الأرض الفلسطينية، مع تقدّمنا في التعرّف على حكاية الفيلم وبطله.

سنوات من المتابعة

«قهوة لكل الأمم»، وثائقي متوسط الطول (52 دقيقة)، يرصد حكاية الفلاح الفلسطيني عبد عبدربه، اللاجئ من قرية الولجة، إلى مخيم الدهيشة، قرب بيت لحم. هذا فلاح فلسطيني لا يريد التخلّي عن أرضه، ويعمل على التمسّك بها، بكل ما أُوتي من قوة (على ضعفه، وقلّة حيلته)، حتى لو كان ثمن ذلك باهظاً على المستوى العائلة، إذ سنرى تذمّر زوجته وتبرّمها من موقفه، أو على المستوى الشخصي، عندما نرى تهالك صحته وتهاويها، إلى درجة أنه سيموت بالتزامن (للمُفارقة المُفجعة) مع العرض العالمي الأول للفيلم في «مهرجان دبي السينمائي الدولي».

اشتغال المخرجة وفاء جميل على وثائقي «قهوة لكل الأمم»، يُفصح عن درايتها وحصافتها منذ اللقطات الأولى، في حركات وانتقالات تبدو مدروسة على مستوى السيناريو: تأثيث المكان، وتقديم الشخصية، وعرض أصل الحكاية، والانطلاق من ثمّ في القصة التي ستتنامى من خلال المحايثة ومتابعة دامت سنواتٍ، وفي أماكن عدة.

هذه أساسيات لازمة في صناعة الفيلم الوثائقي الناجح. ووفاء جميل تتأنى وتتمـهل، بذكاء، في الانتقال بينها. يساعدها في ذلك رونق حضور الفلاح عبد، الذي يبدو تماماً أنه يتعامل مع الكاميرا بتلقائية وعفوية، على مستوى الصورة والصوت. ولعل من حُسن الحظّ أن حضوره على الشاشة يبدو أليفاً إلى درجة كبيرة، كأنما هو واحد من المشاهدين كلّهم، على تنوّعاتهم، وأن صوته يمتــلك نبرة رهيفة تترك أثراً طيباً، ببحّتها ونبرتها وانسيابيتها.

بهدوء تدخلنا المخرجة وفاء جميل عالم الفلاح الفلسطيني عبد. مكانه، وطقوسه اليومية، وحكايته، قبل أن يبدأ صوته المشروخ قول ما ينبغي لنا أن نعرفه: «عم يحاولوا يبنوا 20 ألف وحدة سكنية». يُخبرنا الفلاح الفلسطيني عبد أنه مُحاط بالمستوطنات الإسرائيلية من أربع جهات، هي: «هار جيلو»، و«جيلو»، و«الجورا»، و«كريات مساعا». هم لا يريدون بقاءه في أرضه. وجوده منع إنشاء منطقة مستوطنات إسرائيلية خالصة، على أرض فلسطينية خالصة. والفلاح الفلسطيني عبد، يرفض ويقاوم بطريقته.

لقد بنى بيتاً من الطوب، أولاً، ومن ثم أحضر براكية معدنية (كونتينر)، وبعدها أنشأ عريشة من خشب، وإذ دمّر الاحتلال ذلك، وأحرقه، انتهى إلى قرار بأن يقيم في كهف كنعاني عمره خمسة آلاف سنة.

التأســـيــس الســـينــمــائي البصري، والبحثي المعلوماتي، سيقودنا إلى ما هو أبعد من فكرة «إننا هنا باقون». بنباهة وصراحة كاملة تذهب المخرجة وفاء جميل بكاميرتها الحيوية والحــاضــــرة، ومـــونتـــاجــها المتدفق، إلى زوجة عبد، «أم محمد» الملولة والمتأففة (على ظرافتها). إنها زوجة وامرأة فلسطينية تقيم في مخيم لاجئين. تريد من رجلها أن يبقى معها في بيت، وقد صار لديهما أولاد وصبايا، باتوا في ريعان الشباب. إنها فاقدة الأمل، وتريد أن تعيش، لا أكثر!... ولكن عبد مهجوس بهموم أخرى، عنوانها أرضه، التي لن تبعده عنها معاناة أكثر مضاضة، وممارسات أكثر قسوة ولؤماً: الداخلية الإسرائيلية تريد هدم الكهف، على رغم أنه كنعاني منذ آلاف السنوات، والانجرار إلى الغوص في التيه القضائي، عبر أروقة محاكم ستمتد لمدة 7 سنوات، ما سيأخذه إلى أمكنة أخرى. إسرائيل تعتبر أن وجود هذا الفلاح الفلسطيني في أرضه، حتى لو كان في كهف كنعاني، خطر على أمنها. تتلكأ في محاكمته، وتماطل، وتستمر في اختراع وسائل لتعذيبه نفسياً وجسدياً وإدارياً.

لا يريد الفلاح الفلسطيني عبد إلا أن يعيش في أرضه. إنه لا يريد أن يكون مجرد لاجئ في مخيم الدهيشة. لا يريد أن ينسى أرضه. ولا يريد أن ينتمي إلى القطيع (الذي قطع الأمل أصلاً). الفلاح الفلسطيني هذا لا يريد ذلك. إنه يؤمن أن من حقه أن يعيش في أرضه. يذكر حرص والدته عليه، وعنايتها بسلامته. تحضر صورة شقيقه عيسى عبدربه؛ عميد الأسرى الفلسطينيين. صورة والده الراحل. وحديث والدته (التي لا يكفّ عن تقبيل يديها) عن أهمية بقائه في أرضه. اقتناعه بأن أرضه هي حياته ومصيره ووجوده.

جماليات المكان

يشتغل وثائقي «قهوة لكل الأمم»، على استثمار جماليات المكان الفلسطيني، على رغم الصعوبات التي يلاقيها عبد في معيشته. المعاناة من الممارسات الصهيونية: سدّ الطرقات، وإقامة سواتر ترابية، وأكوام من الحجارة، ووضع أبواب، وتخريب المزروعات، ورمي القمامة والنفايات (تلك التي حوّلها إلى أسمدة، ونعمة بدل نقمة)...

وعبد، الفلاح الفلسطيني الناحل العود، والأعزل إلا من إيمانه بأرضه، وحقّه في البقاء، يحاول الاستعانة بالمتطوعين الأجانب لإزاحة الحجارة، وتحويل قطعة الأرض التي يمتلكها إلى ملتقى ومقصد للمتطوعين والداعمين والمساندين، وبيع منتوجات قد تبدو نافلة ليعتاش منها.

لا ينسى وثائقي «قهوة لكل الأمم» رصد وقــائع عمـل عبد اليومية في أرضه. العناية بها. تربية الطيور والحيوانات الداجنة والأليفة. الذهاب إلى القدس. من أجل حضور المحكمة. هناك حيث سيقول: «أنا في القدس... وهذه أمنية كل فلسطيني أن يكون في القدس».

ليس من المستغرب أن تأجيل قرار محكمة سيكون مما يزيد في تعبه، ومعاناته، حتى في مشقة الوصول من أرضه إلى قاعة المحكمة. الغريب أن عبد يتوقّع أنه ربما لن يأكل من ثمار مزرعته. قال هذا منتبهاً إلى بناء الجدار العازل... ولم يكن يعلم أن الموت سيكون له بالرصاد.

سيتمنى الفلاح الفلسطيني عبد عبدربه، في حال رحل أو أُقصي عن أرضه، أن يأكل من ثمار أرضه كل من يحبّهم، وسيقول: «حتى لو أنا ما أكلت منها، أكون مبسوطاً»... ولكن وثائقي «قهوة لكل الأمم» يعيدنا إلى السؤال الجوهري عن جدوى الأفلام.

هذا فيلم اشتغلت عليه المخرجة وفاء جميل ســـنوات عدة (6 سنوات) في متابعة ومحايثة لتجربة فلاح فلسطيني شاء أن يقول عبر الممارسة اليومية، والمواقف الحياتية، إنه لن يتخلى عن أرضه، ولن يتوانى عن ممارسة كل وسيلة وطريقة ممكنة، للبقاء فيها.

ليس السؤال هنا إن كان الفلاح الفلسطيني عبد قد نجح في مسعاه حياً. ولا السؤال إن كان قد استطاع الحصول على حق الدفن في أرضه، وهو ما لم يقدر عليه. السؤال الذي يبقى هو ذاك الذي وجهته إحدى الحاضرات في صالة العرض للمخرجة وفاء جميل: إن مات عبد فمن سيحمل رسالته، ويستكمل مسيرته؟ فقالت المخرجة إنه أعدّ أحد أبنائه لذلك. ساعتها لم تكن المخرجة وفاء جميل تعلم أن عبد قد مات فعلاً، في تلك الساعات... وحتى دون ذلك، فإن وثائقي «قهوة لكل الأمم» يثبت أن للسينما والأفلام جدواها.

«قهوة لكل الأمم»، للمخرجة المبدعة وفاء جميل، وثائقي مؤثر يستنقذ بطله عبد عبدربه من الغياب، ويمنحه الحضور، ما حضرت الصورة.

المصدر: الحياة

تغريدة "Gaza Writes Back"

  !israel is a piece of shit and they know ittwitter.com/ThisIsGaZa/status/595385208385449985/photo/1 




تغريدة "عاصم النبيه- غزة"

 عندك القسام وبتأيد داعش؟ روح استغفر ربك يا زلمة.. #غزةtwitter.com/AsemAlnabeh/status/595507704338186240
 




تغريدة "أحمد بن راشد بن سعيد"

القاهرة تنتفض ضد قرار تقسيم #فلسطين عام 1947.كان زمان!لكن تظل #فلسطين_قضيتناtwitter.com/LoveLiberty/status/594548013504307200/photo/1




تغريدة "Joe Catron"

 Take a moment to thank "@MsLaurynHill" for cancelling her concert in occupied Palestinetwitter.com/jncatron/status/595337215695192064/photo/1




تغريدة "Dr. Ramy Abdu"

 المغنية الأمريكية المشهورة لورين هيل تلغي حفلها الفني في "إسرائيل" بعد حملة واسعة لنشطاء حركة المقاطعة.twitter.com/RamAbdu/status/595530542910742528




تغريدة "النائب جمال الخضري"

في #غزة يقهرون الإعاقة ويلعبون الكرة الطائرة أطرافهم بترت اثناء الحرب على غزة لا يأس ولكن عزيمة وصمود لهم التحية.twitter.com/jamalkhoudary/status/595520655858147328





 

حسام شاكر

الإبداع في ذروته .. رفعت العرعير مثالاً

أيُّ إبداعٍ يُضاهي أن تُنسَج القصيدة المعبِّرةُ من نزفِ شاعرها أو أن تصير الكلمات المنقوشة بالتضحيات العزيزة محفوظاتٍ مُعولَمة في … تتمة »


    ابراهيم العلي

    في ظلال يوم الأرض الفلسطينون : متجذرون ولانقبل التفريط

    ابراهيم العلي

     يعد انتزاع الاراضي من أصحابها الأصليين الفلسطينيين والإستيلاء عليها أحد أهم مرتكزات المشروع الصهيوني الاحلالي ، فالأيدلوجية الصهي… تتمة »


    لاعب خط الوسط الأردني محمود مرضي يرفع قمصيه كاتباً "هي قضية الشرفاء" ، بعد تسجيل هدف لمنتخبه ضد ماليزيا.
    لاعب خط الوسط الأردني محمود مرضي يرفع قمصيه كاتباً "هي قضية الشرفاء" ، بعد تسجيل هدف لمنتخبه ضد ماليزيا.