يبيت وزوجته وأبناؤه الأربعة في غرفة واحدة ..
شاب بغزة أمنيته كرسي كهربائي يعينه على أداء صلاة الفجر
بعض الأوجاع تُرهق أصحابها إلى حد البكاء طيلة الليل، نحيب بآهات ودموع ليس لها حدود ورجفة وجعٍ تنادي: "زمليني"، وشعور بالوحدة والضيق وهواجس الخوف التي تنتابه من كل مكان، ليس لأنه لا يجد الطعام أو ثمن كسرة خبز تسد جوع أطفاله، هو ألف ذلك، ألف الوجع اليومي الذي يهرب معه بعيدًا عن المنزل؛ كي لا يسمع كلمة: "بابا، أريد حذاءين"، أو "... قطعة حلوى"، أو "أين رسوم الدراسة؟"، أو "كيف سنشتري لطفلنا الحليب هذا الشهر؟"، هو يهرب من هذا الوجع إلى لا نهاية؛ لأنه لا ينتهي أبدًا.
ربما أنت وأنا وأولئك نستطيع أن نصبر حتى بداية الشهر لنعوض أطفالنا ما فاتهم في الشهر الماضي، نشتري لهم الحلوى والملابس؛ كي لا نشعرهم بالعوز أو الحاجة، لكن هم لا يستطيعون أن يشتروا شيئًا؛ جيوبهم خاوية تمامًا، حتى (شيكلًا) واحدًا لا يمتلكون.
منذ الولادة
هُنا قلب أنهكه الوجع، تحمل أكثر مما تحمل غيره، ليس لأنه لم يجد عملًا، ولا بسبب الوضع الذي يعيش فيه، بل لأنه لم يصبح وحيدًا؛ فأطفاله الأربعة وزوجه يحتاجون يوميًّا لأشياء لا يستطيع توفير شيء منها.
في حي الشجاعية تحديدًا يعيش هو وأطفاله وزوجه في غرفة واحدة، ربما لا يرى النور فيها من شدة اكتظاظها، وفي قلبه ألف أملٍ بحياة أفضل، إنه لما يتجاوز الثامنة والعشرين من عمره، وبمساعدة من أهل الخير تزوج عام 2005م وبعدها أنجب طفلين وطفلتين.
(ع.ش) يعاني مرضًا منذ الولادة جعله غير قادر على المشي إلا بصعوبة بالغة، لكنه مع ذلك لم يفقد الأمل في الحياة، يداوم يوميًّا على الصلاة في أوقاتها بالمسجد، ويهرب من مسئولية أبنائه إلى العبادة، والدعاء إلى الله بأن يغير هذا الحال إلى أحسن حال.
هروب من الواقع
أما قصته فبدأت من حيث لا تنتهي أبدًا، هو عاجز عن العمل إلا بصعوبة، أو إذا توافر له مشروع يستطيع به أن يوفر لقمة العيش لأطفاله، وهو ما يضطره يوميًّا إلى الذهاب إلى المسجد منذ صلاة الظهر إلى ما بعد العشاء؛ كي يطمئن بأن أطفاله ناموا ولن يطلبوا منه شيئًا؛ فهو لا يستطيع أن يوفر لهم أبسط احتياجاتهم.
ولولا أهل الخير لكان وضعه بالويل؛ فهو يعتمد كل الاعتماد على والده المريض في توفير احتياجاته واحتياجات أبنائه، لكنه _حسبما يقول_ لن يستطيع أن يطلب منه أكثر، فهو بحاجة إلى كرسي كهربائي يمكنه من الذهاب إلى أداء صلاة الفجر دون صعوبة.
الحُزن أن تهرب يوميًّا من واقعك؛ لأنك لا تستطيع أن توفر شيئًا لعائلتك، لكنك إلى متى ستهرب؟!، هم يكبرون ويكبر الحلم معهم بغدٍ أفضل، لكن هيهات أن يأتي ووالدهم في هذا الوضع.
أهل الخير
يقول (ع.ش) بعد أن جلس بصعوبة على الأرض كي يتحدث عن معاناته: "لا أحد يسمع معاناتي، وكثير من الجمعيات تسجل مئات الأيتام، لكنها لا تنظر إلى واحد مثلي لا يستطيع أن يمشي كغيره ولا أن يعمل؛ فماذا أفعل؟!، كثيرًا ما أتصل بأخي أطلب منه أن يشتري الحفاظات لأطفالي والحليب حتى الأحذية، لكن أيًّا كان وضعه ومهما فعل؛ فلن يتحمل مسئولية بيتين".
ويواصل: "كثيرًا ما يطلب مني أبنائي طعامًا وأدوات مدرسية وملابس وأحذية، لا أستطيع أن أوفر منها شيئًا، يا للأسف، حتى إنني أذهب إلى المسجد سيرًا على قدمي، أستند إلى الجدران كي لا أقع، وربما كل من ينظر إليّ يحزن على وضعي، لكن لا أحد يفيدني بشيء، الحمد لله، أنا أفضل من غيري، لكنني أحتاج لشيء أستطيع به أن أرى الحياة مختلفة، ولو مشروعًا صغيرًا أوفر به لقمة العيش لصغاري".
كرسي كهربائي
ويزيد: "زوجي دائمًا تشتكي من هذا الوضع، وأنا أعذرها؛ فهي لم تر من الحياة ما يشعرها بالفرح، كيف لأحد أن يتخيل أنني وزوجي وأبنائي الأربعة نبيت في غرفة واحدة بمنزل والدي، لا نستطيع أن نجد مكانًا آخر، مهما تحسن الحال فكيف سيكون مستقبل أطفالي؟!".
ويمضي بالقول: "كثيرًا ما أنظر إلى الأطفال وهم ذاهبون إلى مدارسهم، أتساءل: هل يا ترى أهلهم يجدون صعوبة في توفير متطلباتهم، أهم ما أحتاج إليه هو الكرسي الكهربائي، الذي يمكنني من التنقل، وربما البحث عن عمل أو مشروع أو أي شيء آخر".
كل الآمال التي لدى (ع.ش) مبنية على حصوله على كرسي كهربائي، يستطيع به أن يتحرك: أن يذهب إلى صلاة الفجر دون صعوبة، ويبحث عن عمل يحسن وضعه ووضع أطفاله؛ فهل من قلوب رحيمة تلبي دعاءه، وترحم ضعفه هذا، وتغير حاله إلى الأفضل؟
نسمة حمتو - فلسطين أون لاين